كرر القرآن الكريم ذكر البيت في معناه الأهم وهو مأوى الأسرة، فورد استخدامه في معانيه المتنوعة خمسا وستين مرة، منها ثلاث وأربعون مرة بمعنى منازل الناس التي يلوذون إليها في معاشهم ومنامهم وعشرتهم في الدنيا، على مختلف صور تلك المنازل، حصونا كانت أو خياما أو بيوت من حجر، وسواء أكانت للأنبياء أم لغيرهم من الناس، فالبيت من أساسيات الأسرة، وهو مأوى أفرادها، وتكرار ذكره يشير إلى أهميته، والاهتمام بساكنيه. وذكر البيوت في القرآن الكريم يشير إلى أهميتها من ناحية تكرار الذكر، ومن ناحية الدور التي تؤديه لإيواء الأسر، فتشكل البيوت بما تأوي من أسر ملاذا للسكن والراحة والسكينة، ففي الحالات السوية يجد المرء الطمأنينة والهدوء والراحة في بيته، وبين أسرته، فيمن الله على خلقه بنعمة السكن،
قال تعالى:
{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا}
(النحل:80).
ومن دلالات أهمية الأسرة في ضوء القرآن الكريم أن الإسلام وضع أصولا لمنهج يؤلف دستورا كاملا شاملا دقيقا لنظام الأسرة؛ وتتناول كل جزئية من شئونها، وتدل تلك الأصول بكثرتها وتنوعها ودقتها وشمولها على مدى الأهمية التي يعقدها المنهج الإسلامي للحياة الإنسانية على مؤسسة الأسرة الخطيرة ويتناسب ذلك –أيضا- مع طبيعة الإسلام الكلية. فالذي ينظر في تشريعات الأسرة في القرآن الكريم والسنة المطهرة في كل وضع من أوضاعها ولكل حالة من حالاتها، وينظر في التوجيهات المصاحبة لهذه التشريعات، وفي الاحتشاد الظاهر حولها بالمؤثرات ؛ وفي ربط هذا الشأن بالله مباشرة في كل موضع، يدرك إدراكا كاملا ضخامة شأن الأسرة في النظام الإسلامي، وقيمة هذا الأمر عند الله، وقد ظهر ذلك عندما يجمع-سبحانه- بين تقواه وتقوى الرحم في أول سورة النساء،
حيث يقول:
{ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }
(النساء:1 )،
كما يجمع بين عبادة الله والإحسان للوالدين في سورة الإسراء وفي غيرها:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
(الإسراء:23)،
وبين الشكر لله والشكر للوالدين في سورة لقمان:
{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }
( لقمان : 14).
المؤلفون | د.خالد راتب |
التصنيف | التشريعي و البياني |
الوسوم | الإعجاز التشريعي في نظام الأسرة |
عدد المشاهدات | 448 |
عدد المشاركات | 3 |
شارك المادة | |
تحميل المادة | تحميل المادة |
فاق الإسلام جميع التشريعات في اهتمامه وعنايته بالأسرة، ولا أدلّ على ذلك من الآيات التي خصّها بها؛ إذ حرص الشّارع الحكيم على تنظيم العلاقة بين أفراد الأسرة، سواءً على المستوى التشريعي أم السلوكي والأخلاقي، وفصّل في شأنها القرآن تفصيلا دقيقًا؛ ذلك أن حفظ الأسرة حفظ للدين والإنسان وتوجيه لمسار العمران ، فأول أسرة تأسست في الجنة، حيث خلق الله –تعالى- آدم وحواء من نفس واحدة وجعل أول مسكن أسري وبيت زوجي لهما (الجّنة).
لم يصف القرآن الكريم عقداً من العقود بما وصف به عقد الزواج، فقد وصفه بأنه الميثاق الغليظ، قال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء :21)