كرر القرآن الكريم ذكر البيت في معناه الأهم وهو مأوى الأسرة، فورد استخدامه في معانيه المتنوعة خمسا وستين مرة، منها ثلاث وأربعون مرة بمعنى منازل الناس التي يلوذون إليها في معاشهم ومنامهم وعشرتهم في الدنيا، على مختلف صور تلك المنازل، حصونا كانت أو خياما أو بيوت من حجر، وسواء أكانت للأنبياء أم لغيرهم من الناس، فالبيت من أساسيات الأسرة، وهو مأوى أفرادها، وتكرار ذكره يشير إلى أهميته، والاهتمام بساكنيه.
لم يصف القرآن الكريم عقداً من العقود بما وصف به عقد الزواج، فقد وصفه بأنه الميثاق الغليظ، قال تعالى: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء :21)
الآية موضع الإعجاز: (.. فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) سورة البقرة
النص المعجز: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) سورة البقرة
الآية موضع الإعجاز: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) سورة البقرةالمعانى اللغوية وأقوال المفسرين: أصل الحرث شقٌّ السطح الملتئم وإثارته، ومنه شق الأرض بالمحراث وتقَلْيب تربتها وتجهيزها لإلقاء البذور فيها ، والحرث: أيضا الزرع. قال ابن جرير الطبرى: وقوله: (نساؤكم حرث لكم) قال ابن عباس: الحرث موضع الولد (فأتوا حرثكم أنى شئتم) أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد (يعنى الفرج). وروى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله: كانتِ يَهودُ تقولُ من أتى امرأتَهُ في قُبلِها من دبرِها كانَ الولدُ أحوَلَ فأنزلَ اللَّهُ سبحانَهُ "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ". وقال القرطبي، والفخر الرازي والطاهر بن عاشور: (لفظة الحرث فيها تشبيه بليغ ؛ لأن النساء مزدرع الذرية، فشبه الله رحم المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات). وشبهت المرأة بالأرض لأن كليهما يمد الوجود الإنسانى بأسباب بقائه. ومن الناحية البلاغية كلمة (حرث) جاءت مصدر وذلك للمبالغة في فعل الحرث ، ولفت النظر لأهميته.
إن تحقيق التوازن الاجتماعي التزام يقع على الدولة المسلمة مهمة تنفيذه بصورة مستمرة. وحرى بنا أن نذكر إن الإسلام لا يقيم التوازن الاجتماعي بين أفراده المسلمين فقط بل يقيمه توازنا شاملاً لكل من يعيش في دياره فيشمل المسلم وغير المسلم.
إن الناظر بعين الانصاف والعدل في التشريعات الإلهية يجدها كلها في صالح البشرية وخدمتها، فالتكاليف التي كلف بها الإنسان سواء التكاليف اليومية كالصلاة، أم التكاليف السنوية كالحج ليست مرتبطة فقط بالجزاء الأخروي بل يتعلق بها نفع دنيوي.
النص المعجز: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(24﴾ سورة الحشر.
فاق الإسلام جميع التشريعات في اهتمامه وعنايته بالأسرة، ولا أدلّ على ذلك من الآيات التي خصّها بها؛ إذ حرص الشّارع الحكيم على تنظيم العلاقة بين أفراد الأسرة، سواءً على المستوى التشريعي أم السلوكي والأخلاقي، وفصّل في شأنها القرآن تفصيلا دقيقًا؛ ذلك أن حفظ الأسرة حفظ للدين والإنسان وتوجيه لمسار العمران ، فأول أسرة تأسست في الجنة، حيث خلق الله –تعالى- آدم وحواء من نفس واحدة وجعل أول مسكن أسري وبيت زوجي لهما (الجّنة).
من نعم الله التي لا تحصى ولا تعد الآيات الكونية من حولنا، سماء وأرضا؛ ولأهمية النظر في آيات الله الكونية جعلها الله من مفردات الرسالة الإلهية للخلق ابتداء من أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- إلى خاتم المرسلين سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويوضح هذا ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) الأنعام: 75). وما ورد من حقائق كونية على لسان خاتم المرسلين منها: قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا * وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ﴾ [الفرقان: 45 - 55]. كما أن المولى -جل جلاله- خاطب العالمين -خاصة من لم يحرك الإيمان قلوبهم- بأنه سيريهم آياته في الآفاق والأنفس، قال تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"(فصلت:53). وقد وصف الله المعتبرين الذين تحركهم آيات الله الكونية بالإيمان، واليقين، والعقل: (لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ- آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ - آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، قال- سبحانه -:"إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ"(الجاثية:3-6). وهذه الآيات الكونية يجب ألا تمر علينا دون اعتبار وعظة واستفادة؛ لأن القرآن الكريم حذر من ذلك، قال تعالى:" وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ"(يوسف:105).
النص المعجز: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) سورة لقمان قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) سورة الكهفتفسير الآية: يقول ابن جرير الطبرى: يقول تعالى : لو كان البحر مدادا لكلمات الله ، والشجر كله أقلام ، لانكسرت الأقلام وفني ماء البحر ، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء ; ولو جئنا بمثله مددا أي زيادة على البحر عددا أو وزنا . التوجيه العلمى: تشير التقييمات إلى أن أكثر من 99% من الأنواع - تصل إلى أكثر من خمسة مليارات نوع- عاشت على كوكب الأرض قد انقرضت ()؛ كما توضح أيضًا إلى أن عدد الأنواع الأرضية الحالية تتراوح من 10 إلى 14 مليونًا، منها حوالي 1.9 تم تعيين أسمائها، و1.6 مليون تم توثيقها في قاعدة البيانات المركزية حتى الآن ( ، ). هذا بخلاف الكائنات البحرية التى لم تعرف أو توثق ، وكذلك الميكروبات (وتشمل الفيروسات والبكتريا والفطريات ) ، والطحالب ، والطفيليات. وكل كائن حى يتكون من كلمات جينية هى التى تحدد تنوعه وصفاته. وعدد كبير من الكائنات الحية بما فيهم الإنسان ماتت منذ بداية وجود الحياة على الأرض منذ 4,6 مليار سنة ويعيش من البشر الآن 8 مليار حول العالم ، وكم من مولود يولد يوميا 5٬522 ، وسنويا 128٬122٬138 (). كلمات الله عز وجل منها الشرعية والمواعظ (الشرائع ، والكتب السماوية ) والدلالية على وحدانيته والتكوينية (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) سورة يس ، والكلام هنا عن الكلمات التكوينية خصوصا للكائنات الحية. وكل كائن حى يتكون من أجهزة وأنسجة وأعضاء تختلف من نوع إلى نوع . وهذه الأنسجة والأعضاء تتكون من بروتينات ، والبروتينات تتكون من أحماض أمينية ، والأحماض الأمينية هى ترجمة للشفرات الوراثية ، والشفرة الوراثية هى عبارة عن ثلاث قواعد نيتروجينية . وبأى كائن حى أربعة قواعد نيتروجينية ، ويعد الترتيب المحدد لهذه القواعد A وT وC وG في غاية الأهمية، فهذا الترتيب يحدد جميع أوجه التنوع الحيوي. ففي هذا الترتيب
أعطتنا إحدى آيات القرآن الكريم المفهوم الشامل والكامل للبيئة، فإذا تأملنا الآية السادسة من سورة طه حيث يقول سبحانه وتعالى: ( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) (طه:6)، فإننا نجد أن هذه الآية الكريمة أفادت من ضمن ما تعنى شمولية المعنى والحصر لمكونات أي بيئة. حيث "السماوات" وما فيها من أشياء وموجودات لا يحيط بعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ثم "الأرض" وما فيها من عناصر يمكن إيجازها فيما يلي: *العنصر الأول: طبيعة سطح الأرض وتشمل الجبال والأودية والأنهار والغابات والبحيرات والتلال والصحارى ومجارى السيول، وغير ذلك من عناصر الطبيعة والتي تكون مع العامل المناخي البيئة الطبيعية. *العنصر الثاني: الإنسان والحيوان والنبات وكل الكائنات الحية الأخرى. *العنصر الثالث: البيئة العمرانية وهي من صنع الإنسان وتشمل مواقع العمران بما فيها من مباني وطرق وغير ذلك من المكونات العمرانية. أما (و ما بينهما) أي ما بين السماوات والأرض فنستدل منها على المؤثرات الطبيعية والجغرافية والمناخية والتي تشمل الشمس والهواء والرياح والرطوبة النسبية والسحاب ودرجة الحرارة والأمطار…وغير ذلك من عناصر المناخ. ونستدل من (وما تحت الثرى) على المكونات الموجودة في باطن الأرض سوآء كانت مكونات جيولوجية أو خامات معدنية وثروات طبيعية يمكن استخراجها واستثمارها اقتصاديا أو مياه جوفية يمكن استخراجها لأغراض الزراعة والاستيطان، لقد حصرت الآية الكريمة السابقة مكونات وعناصر البيئة بدقة وشمولية كاملة. * ( عن بحث: حازم ابراهيم (1985). الخواطر القرآنية و شمولية الحصر، مجلة عالم البناء: عدد يوليو-أغسطس، ص26-27، القاهرة.).