إن عالم الطير من العوالم التي اهتم بها القرآن الكريم ولقد تركز الحديث عن الطير في محاور محددة ولكنها ذات أهمية بالغة لأنها احتوت على العقيدة التي هي أساس الدين الإسلامي من خلال عقيدة إحياء الموتى أو قضية البعث بعد الموت. إن قضية إحياء الأجساد بعد أن تتحلل وتصير ترابًا قضية ثار حولها الجدل والنقاش عند العرب بسبب عدم تصورهم الكامل عن هذا الحدث الجليل، و لذا تحدث عنه القرآن الكريم، بأن ذلك هو النبأ العظيم
قال تعالى:
{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) .
سورة النبأ ،
فذكر القرآن الكريم أن ذلك الأمر وهو البعث بعد الموت والإحياء والتركيب لهذه الأجساد بعينها أمر عظيم جدًا، كما ذكر القرآن هذه القضية مع أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام عندما طلب من الله تعالى كيفية إحياء الموتى بذبح الطير. إبراهيم عليه السلام كان يؤمن بأن الله تعالى قادر على إحياء الموتى ولكنه يريد أن يطمئن قلبه إلى كيفية إحياء الموتى فأمره الله تعالى أن يأخذ أربعة من الطير فامتثل إبراهيم عليه السلام،
قال تعالى:
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
[سورة البقرة:260]،
سبحان الخلاق العليم
وهذا الكلام معطوف على قوله:
﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[البقرة: 259]
،
فهو مثال ثالث لقضية قوله:
﴿ للَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
ومثال ثاني لما ورد فى الآية 259 ( البقرة) ،
فالتقدير: أو هو كإبراهيم إذ قال: رب أرني إلخ. فإن إبراهيم لفرط محبته الوصول إلى مرتبة المعاينة في دليل البعث رام الانتقال من العلم النظري البرهاني، إلى العلم الضروري، فسأل الله أن يريه إحياء الموتى بالمحسوس. ،وقوله: ﴿ أرنى﴾ معناه ليثبت ويتحقق علمي وينتقل من معالجة الفكر والنظر إلى بساطة الضرورة بيقين المشاهدة وانكشاف المعلوم انكشافًا لا يحتاج إلى معاودة الاستدلال ودفع الشبه عن العقل، وذلك أن حقيقة يطمئن: يسكن، ومصدره الاطمئنان، واسم المصدر الطمأنينة، فهو حقيقة في سكون الأجسام، وإطلاقه على استقرار العلم في النفس .اختلف أهل التأويل في سبب مسألة إبراهيم عليه السلام ربَّه عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى. فقال بعضهم: كانت مسألته ذلك ربَّه، أنه رأى دابة قد تقسَّمتها السباعُ والطيرُ، فسأل ربه أن يريه كيفية إحيائه إياها، مع تفرق لحومها في بطون طير الهواء وسباع الأرض ليرى ذلك عيانًا، فيزداد يقينًا برؤيته ذلك عيانًا إلى علمه به خبرًا، فأراه الله ذلك مثلًا بما أخبر أنه أمره به ،وذلك كما جاء في تفسير ابن جرير الطبري .ذكر الرازي مبحثًا لطيفًا لماذا خص الله عز وجل الطير من جملة الحيوانات، فقال رحمه الله: (وخص الله عز وجل الطير من جملة الحيوانات بهذه الحالة وذكروا فيها وجهين:
الوجه الأول: أن الطير في السماء والارتفاع في الهواء والخليل كانت همته العلو والوصول إلى الملكوت، فجعلت معجزاته مشاكلة لهمته.
الوجه الثاني: أن الخليل عليه السلام ذبح الطيور، فجعلها قطعة قطعة، ووضع على رأس كل جبل قطعًا مختلطة ثم دعاها، طار جزء إلى مشاكله، فقيل له: كما طار كل جزء إلى مشاكله، كذا يوم القيامة يطير كل جزء إلى مشاكله حتى تتآلف الأبدان وتتصل بها الأرواح). يا رب القوى والقدر طيور تمزق وتقطع إربًا إربًا وتفرق على قمم الجبال، ثم ينادي عليها عبد لا يملك شيئًا فتجيبه بسرعة من كل مكان لقد نال عالم الطير شرف تمثيل هذا المشهد بين يدي نبي كريم وهو نبي الله إبراهيم عليه السلام. وعقيدة إحياء الموتى ثابتة بالأدلة العقلية والحسية وبغيرها من الأدلة التي يطول ذكرها في هذا المقام.
المؤلفون | أ.د. مصطفى إبراهيم حسن |
التصنيف | علوم الأرض |
الوسوم | الطير وعقيدة "البعث" |
عدد المشاهدات | 409 |
عدد المشاركات | 0 |
شارك المادة | |
تحميل المادة | تحميل المادة |