التدرُّج فى الوصية والميراث

التدرُّج فى الوصية والميراث

 كان التدرج في التشريع أحد خصائص الشريعة الغراء؛ لمراعاة واقع الحياة، وطبيعة النفوس، وما ألفته من عادات وقيم ومبادئ وأحكام، وأخذًا بمبدأ التدرج في التربية ، ولأخذ الناس من السهل إلى الصعب، ومن الخفيف إلى الأشد، وغير ذلك من حِكم التدرج ،وهذا التدرج يشمل:

  • التدرج الزمنى: ويقصد منه أن الأحكام الشرعية  لم تنزل دفعة واحدة ،وإنما نزلت متفرقة حسب الأحوال والحوادث  طوال مدة البعثة.
  • التدرج النوعي: إن أحكام الشريعة جاءت متنوعة ،بدأت الأحكام الشرعية بتقرير العقيدة أولاً، مع التوطئة والتمهيد والإشارة إلى غيرها، ثم شرعت العبادات مع بيان مقاصدها السلوكية، ثم الأخلاق، وبيان فضلها وشمولها، ثم المعاملات، ثم العقوبات.
  • التدرج البياني : ظهر في القرآن المكي، ثم المدني، وفي العهد المدني كانت الأحكام مجملة، ثم عامة لتكون تمهيداً وتهيئة للنفوس، ثم نزل التفصيل، كما هو الشأن في الصلاة، والزكاة، والربا، والخمر، والجهاد، والميراث، فكانت الآيات المكية تصف الأنبياء السابقين، بأداء الصيام والزكاة مثلاً، تنبيهاً للمسلمين بتكليفهم بمثلها، ومن ذلك نسخ بعض الأحكام التي شرعت أولاً وهي قليلة، ثم جاء الحكم الثابت الدائم المستقر.

ومن التدرج في الأحكام  ما تم في شأن الوصية والميراث:

حيث نزلت الأحكام الشرعية في ذلك بالتدرج لتلغي ما كان سائدًا، فأوجب اللَّه تعالى الوصية للوالدين والأقربين عامة، ذكورًا وإناثًا، فقال تعالى:

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾

(البقرة: 180)

ثم قرر نصيب الرجال والنساء في التركة، فقال تعالى:

﴿  لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا﴾

(النساء: 7)

ثم أنزل اللَّه تعالى آيات الميراث لتنسخ وجوب الوصية للوالدين والأقربين من الورثة، وتفضل نصيب كل وارث، فقال تعالى:

﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾

(النساء: 11 – 12)

وقوله:

﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

(النساء: 176)

وكذلك الإرث بالحلف والهجرة في أول الإسلام، ثم نسخ فيما بعد بآيات المواريث، وبقوله تعالى:

﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ﴾

(الأحزاب: 6)

 فصار الميراث بالقرابة.

المؤلفون د.خالد راتب
التصنيف التشريعي و البياني
الوسوم الوصية الميراث
عدد المشاهدات 344
عدد المشاركات 1
شارك المادة
تحميل المادة

مواد ذات صلة

لا توجد عناصر