من اعجاز التشريع الإسلامي ... السماحة واليسر

من اعجاز التشريع الإسلامي ... السماحة واليسر

السماحة واليسر ودفع الضرر والمشقة من أهم معالم الشريعة الإسلامية وخصائصها؛ من أجل ذلك جاءت أحكام الشريعة الإسلامية متناسقة ومتناسبة مع الظروف والأحوال والزمان والمكان، ولو تتبعنا هذه الأحكام لوجدنا ذلك جليا، ومن مظاهر سماحة ويسر الشريعة الإسلامية :

1. قلة التكاليف: لأنها اقتصرت على الأركان الخمسة وما يتَّصل بها، ففي الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا إلى اليمن، فقال:

"ادْعهم إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلِمهم أن الله قد افترَض عليهم خمسَ صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلِمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم؛ تؤخَذ من أغنيائهم، وتُرَد على فقرائهم"

(متفق عليه).

2. تفاوت درجات التكاليف: من رحمة الله بالمكلف أن الأوامر والنواهي الشرعية، ليست على درجة واحدة، فالأوامر المتعلقة بالأمور الضرورية ليست كالأوامر المتعلقة بالأمور الحاجية، ولا التحسينية، ولا الأمور المكملة للضروريات كالضروريات، بل بينهما تفاوت معلوم، بل الأمور الضرورية ليست في الطلب على وزن واحد.

3. التنوع في التكاليف الشرعية: حتى تتماشى مع الطبيعة البشرية التي تنفر من الصعب، وتمل من كثرة العمل، وذلك بسبب ما فطرت عليه النفس البشرية من الضعف، وما رُكِّب فيها من الملل والتقلب.

4. رفع الحرج: إن عنايــة الشريعة برفـع الحـرج عـن المكلفين يخرج مـن الأصل العام الذي قامت عليه الشريعة من جلب المصالح ودفع المفاسد، وفي رفع الحرج جلب للمصالح ودفع للمفاسد، وقاعدة رفع الحرج من كبريات القواعد المقاصدية المنهجية الكلية التي تجد تأصيلها في قوله تعالى:

﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.﴾

( الحج:78 )

وهي تنتظم جميع القوانين الإلهية دون استثناء. مما يقطع بأن شريعة الله يسر كلها، ورحمة كلها، وما جعل الله على المكلفين فيها من حرج؛ سواء تعلق الأمر بأحكام العقيدة؛ كمن أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، فلا حرج عليه إذا تلفظ به دون اعتقاده، أو بأحكام العبادات؛ كمن عجز عن القيام بفريضة ما؛ فما عليه إلا أن يؤدي ما استطاع منها. كالصلاة مثلا في بيته متى تعذرت عليه إقامتها في المسجد لسبب من الأسباب كخوف العدوى بمرض ما؛ كما هو واقع الحال اليوم، أو بأحكام المعاملات؛ كمن لم يتيسر له أداء ما في ذمته من حقوق؛ فليؤدها متى أمكنه

﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾

( البقرة:280 )

المؤلفون د.خالد راتب
التصنيف التشريعي و البياني
الوسوم الاعجاز التشريعي
عدد المشاهدات 424
عدد المشاركات 1
شارك المادة
تحميل المادة

مواد ذات صلة

الإسلام يحرم الاحتكار نظرا لآثاره الضارة على مستوى الاقتصاد القومي

الإسلام يحرم الاحتكار نظرا لآثاره الضارة على مستوى الاقتصاد القومي

وكذلك على مستوي العلاقات الاقتصادية الدولية. النص المعجز: قوله صلى الله عليه وسلم: (عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله  العدوي أن النبي قال: لايحتكر إلا خاطئ وكان سعيد يحتكر الزيت. رواه أحمد ومسلم وأبو داود). (وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله : من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة).

من الإعجاز التشريعي في الميراث الجمع بين الإيجاز والدقة  والشمول

من الإعجاز التشريعي في الميراث الجمع بين الإيجاز والدقة والشمول

آيات الأحكام  المرتبطة بالمواريث جاءت غاية في الإيجاز البليغ، مع شُمُولها كلَّ جوانب الأحكام التي تتناولها؛ فهي مُوجزة وشاملة، والجمعُ بين الشُّمول والإيجاز لون من الإعجاز التشريعي، فهناك آيتان مُتتاليتين في سورة النِّساء، وآية ثالثة، في آخر السُّورة نفسها، هذه الآيات الثَّلاث جمعت أغلب قواعد وأحكام علم الميراث- الذي شرح في أسفار كبيرة- وجمعت نصيب كل وارث في التركة ،بل وأعطت غير الوارثين عطاءات أخرى مثل الوصية المستحبة، مما سهل على  الفقهاء التعامل مع علم المواريث من زوايا متعددة، فبدأوا بالحديث عن الحقوق المتعلقة بالتركة وترتيبها، وأسباب الميراث وشروطه وموانعه، وأنواع الورثة وبيان نصيب كل واحد، وبيان من يحجب من الميراث ...، وهذا يدل دلالة واضحة على اتساع الرؤية الفقهية- المستنبطة من آيات الميراث قليلة العدد- في استيعاب الأحكام المتعلقة بالميراث. كما أحكام المواريث  قد صيغت  بدقة عالية ، فجل الأحكام التي استنبطها العلماء في المواريث مرجعها إلى بضع آيات في سورة النساء ،وبعض الأحاديث، وهذا إعجاز أيضاً يضاف إلى رصيد هذه النصوص الشرعية، وأقول جازماً بأنه لا يمكن لأي نص قانوني من وضع البشر أن يشتمل على كل هذه الأحكام الكثيرة- وهذا بغض النظر عن العظمة والدقة في هذه الأحكام-، وكل هذا يدل دلالة واضحة على إعجاز هذه النصوص لكل البشر حتى لو اجتمعوا لذلك، وصدق الله القائل: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (الإسراء: 88).

علم الوراثة فى البشر

علم الوراثة فى البشر

النص المعجز: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ  (22)  سورة الروم  المعانى اللغوية: اللسان في الفم: اللغة ، واختلاف الألوان في الصور ولون البشرة  ، العَالِمُون: هم أهل العلم الذين يفهمون العبر ويتدبرون الآيات. أقوال المفسرين: قال الطبرى:  (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ): واختلاف منطق ألسنتكم ولغاتها ، (وَأَلْوَانِكُمْ): واختلاف ألوان أجسامكم ، فمنهم الأسود والأبيض والأحمر وبين ذلك أ.هـ. ومع أن الوجه والفم واللسان واحد فلا نجد صوتين متفقين من كل وجه ولا لونين متشابهين من كل وجه إلا ونجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز. إن في فعله ذلك لعبرا وأدلة لخلقه الذين يعقلون (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ للْعالِمِينَ). وهذا الاختلاف لئلا يقع التشابه فيحصل الاضطراب ويفوت كثير من المقاصد والمطالب، وهذا دال على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته.