لغة العرب لغة مليئة بحروف المعاني، والحروف نوعان حروف معان، وهي الحروف التي تنوب عن المعنى ، مثل همزة الاستفهام هي تنوب عن معنى أستفهم، ويا حرف ينوب عن أنادي، وهكذا أما حروف المباني، فهي الحروف التي تكون الكلمة، فكلمة يوفي الحرفان (في) حرفا مبنى في تكوين الكلمة، أما (في) فحرف معنى في قولنا نحن في البيت، ولنقف عن اصطفاء حرف من حروف المعاني في الذكر الحكيم، وإعجاز بيانه، فلنأخذ حرف الجر (على) ونقف عنده لبيان جلال معناه، وحرف الجر (على) هو حرف استعلاء، بيد أنه كثير التصرف، واسع الحركة، يتيح للناظم والناثر بحقيقته ومجازه أن يعبر عن مقاصده المختلفة.
قال تعالى
(الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق)
(إبراهيم/39)
قال المفسرون عل هنا بمعنى مع ، ولكن القرآن لم يقل مع الكبر لبيان أن كبر السن يؤدي إلى استعلاء تقدم السن على صاحبه فيكون ذا سلطان عليه، ذلك أن الكبر من شأنه أن يمنع بمقتضى العادة من الإنجاب وهو سبب في الظاهر قاهر متغلب، إلا أن الله ـ تعالى ـ شاء أن يخرق ماجرت به العادة، ويقهر ماخلق من أسباب إدلالا على عظيم قدرته وإطلاق يده فيما خلق، وتكريما لمن خرقت من أجله النواميس، وحطمت بسببه ظواهر العادات، مما جعل إبراهيم يلهج لسانه ثناء على الله وشكرا له، فالاستعلاء المجازي هو استعلاء قدرة الخالق على الكبر الذي هو مانع قاهر في مجرى العادة من حصول الولد، فلو قيل: مع الكبر لما أوحى بمعنى الاستعلاء على الأسباب وقهرها كما يوحي به حرف الاستعلاء.
ومثله قوله ـ تعالى ـ
(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)
(الإنسان/8)
فقد مدحهم الله بكمال الإيثار في بذل ما بأيديهم من طعام هم في أمس الحاجة إليه، متعالين بذلك على هوى النفس قاهرين لشهوة البطن، في سبيل غاية أسمى، وهدف أنبل، وهو رضا الله ـ تعالى ـ ونيل ماعنده، فعلى هنا على أصلها من الاستعلاء المجازي، علوا على رغبات النفس وقهرا لشهواتها، وذلك لون من التتميم البديع الذي ينشر جوا من المبالغة في بذل ما يملكه الإنسان وتضن به نفسه ابتغاء مرضاة الله.
المؤلفون | أ.د إبراهيم الهدهد |
التصنيف | التشريعي و البياني |
الوسوم | الإعجاز البياني في اصطفاء الحرف |
عدد المشاهدات | 408 |
عدد المشاركات | 0 |
شارك المادة | |
تحميل المادة | تحميل المادة |