الحديث موضع الإعجاز:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله ﷺ:
(كُلُّ ابْنِ آدَمَ يَأْكُلُهُ التُّرابُ، إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ منه خُلِقَ وفيهِ يُرَكَّبُ)
المعانى اللغوية فى الأحاديث الواردة:
يأكله التراب: أى يصبح الجسد ترابا لتفاعل التراب مع العظم واللحم فيحوله ترابا، فيعود إلى ما بدأ منه.
عجب الذنب : يكون فى عَظمُ رَأسُ العُصْعص ، ويقالُ له: (عَجْم) بالمِيم، وهو أوَّلُ ما يُخلَقُ مِن الآدميِّ ، وهو الَّذي يَبقى مِنه ليُعادَ تَركيبُ الخَلقِ عليه يومَ القيامةِ. أما علماء الأجنة والبيولوجيا الحيوية فيرون أنه بقايا خلايا الخيط الأولى وهى خلايا كاملة القدرة والتى بدأ الجنين فى النشأة والتكوين منها.
منه خُلِق : أى من عجب الذنب خلق الجنين.
أقوال شراح الحديث: قال القرطبي في التذكرة: أي أول ما خلق من الإنسان عجب الذنب ثم إن الله تعالى يبقيه إلى أن يركب الخلق منه تارة أخرى. اهـ. وتبعه على ذلك: النووي في شرح مسلم، وابن العراقي في طرح التثريب، والسيوطي والسندي في حاشيتهما على سنن النسائي، والقاري في مرقاة المفاتيح، والعظيم آبادي في عون المعبود، وغيرهم. وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: أما قوله: "منه خلق وفيه يركب" فيدل على أنه ابتدأ خلقه وتركيبه من عجب ذنبه. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قوله في رواية الأعرج: "منه خلق" يقتضي أنه أول كل شيء يخلق من الآدمي. اهـ.
التوجيه العلمى:
منذ تلقيح البويضة بالحيوان المنوى يبدأ انقسام هذه اللاقحة أو البويضة المخصبة انقساما ثنائيا إلى خليتين ، وأربع ، وثمان وستة عشر واثنان وثلاثين وهكذا حتى تصل إلى نهاية مرحلة التوتة. ثم يتكون سائل يفصل هذه الكتلة من الخلايا إلى طبقتين وهما طبقة الخلايا الخارجية (trophoblast) ، والتى تسمى بالترفوبلاست وهى التى تساعد الكيسة الأرومية او البلاستيولا لتنغرس فى جدار الرحم وتكون المشيمة فيما بعد ، وطبقة الخلايا الداخلية (inner cell mass) وهى التى تكون الجنين فيما بعد (شكل 1 )
وعملية التخصص والتمايز هذه هى التي تؤدي إلى تكوين الدماغ والقلب وجميع الأنسجة الأخرى من خلية الزيجوت أحادي الخلية. ويتكون القرص الجنينى من طبقات الخلايا الإكتودرم (الأديم الخارجى) والميزودرم (الأديم الأوسط) والإندودرم (الأديم الداخلى) ويتكون أخدود من خلايا الإيبيبلاست نتيجة علو الخلايا على جانبى هذا الأخدود من أسفل إلى أعلى القرص الجنينى ، وتنكون حفرة فى نهاية هذا الأخدود ، وبعد تكون هذا الأخدود وهذه الحفرة تهاجر بعض الخلايا من خلايا الميزودرم (الأديم الأوسط) إلى هذا الأخدود وهذه الحفرة لتشكل الشريط الأولى والعقدة الأولية .
وإثر ظهورالخيط الأولى (من أسفل إلى أعلى كما بين العلماء () على القرص الجنينى لطبقات الخلايا ، يتشكل الجنين منه بكل أعضائه وأجهزته - وهذا ما بينه النبى محمد ﷺ (منه خلق). ويبدأ تكوين الجهاز العصبي وبدايات فقرات العمود الفقري ، ثم بقية أعضاء الجسم. وهذا الشريط الدقيق قد أعطاه الله تعالى القدرة على تحفيز الخلايا على الانقسام والتخصص والتمايز والتجمع في أنسجة متخصصة ، وأعضاء متكاملة في التعاون على القيام بكافة وظائف الجسد.
ولقد أكتشف العلماء أن الذي يقوم بالتخليق والتنظيم لجميع خلايا الجنين هو الخيط الأولي والعقدة الأولية عندما تهاجر الخلايا إليهما ، وقبل أن يتكونا لم يكن هناك أي تمايز أو تحديد لمصير خلايا الجنين. ويبقى من أصول نشأتها مجموعة من الخلايا متعددة القدرة ( Pluripotent cells) تبقى من هذا الخيط الأولى في نهاية العمود الفقري فى عظم العصعص وهو ما يسمى بعجب الذنب والتى منها يركب الخلق يوم القيامة.
ومن أهم العلماء الذين أثبتوا هذه الحقيقة العلمية هو العالم الالماني الشهير(هانز سبيمان Hans Spemann) والعالم فوجيت() Vogt حيث قاما بدراسات وتجارب على الخيط الأولي والعقدة الأولية وأكتشفا أن الخيط الأولي والعقدة الأولية هما اللذان ينظمان خلق الجنين وأطلق عليهما أسم المنظم الأولي أو المخلق الأولي() (Primary Organizer) وقام بقطع هذا الجزء (الخيط الأولي والعقدة الأولية) وزرعه في جنين أخر في المراحل الجنينية المبكرة في الأسبوع الثالث والرابع فأدى ذلك إلى نمو جنين ثانوي من هذه القطعة المزروعة في الجنين المضيف.
المؤلفون | أ.د. حنفي محمود مدبولي |
التصنيف | العلوم الطبية |
الوسوم | عَجْبَ الذَّنَبِ منه يُخْلَق بنى آدم |
عدد المشاهدات | 427 |
عدد المشاركات | 1 |
شارك المادة | |
تحميل المادة | تحميل المادة |