حتى يتضح معني الإعجاز في المسألة محل البحث وهي: نظرية أعمال السيادة, سأعرض أولا للمقصود بنظرية أعمال السيادة ثم أعرض للنص القرآني الذي أرسي قاعدة أصولية تمنع من ظهور هذه النظرية في الاقتصاد الإسلامي , وكل ذلك على النحو التالي:
ماهية أعمال السيادة:
عرفت محكمة القضاء الإداري أعمال السيادة بأنها هي تلك الأعمال التي تصدر عن الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة, فتباشرها بمقتضي هذه السلطة العليا لتنظيم علاقتها بالسلطات العامة الأخرى داخلية كانت أم خارجية, أو تتخذها اضطرارا للمحافظة علي كيان الدولة في الداخل أو للذود عن سيادتها في الخارج.
النص المعجز:
أرسي القرآن الكريم قاعدة أصولية تمنع من ظهور نظرية أعمال السيادة كما ظهرت في الفكر الوضعي. ويتمثل النص المعجز في قوله تعالي:
"فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" .
ويقول سبحانه:
"والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم وممارزقناهم ينفقون".
الحقيقة الشرعية المرتبطة بالنص:
أولا: بالنسبة لقوله تعالي:
"وشاورهم في الأمر".
اختلف أهل التأويل في المعني الذي أمر الله نبيه عليه السلام أن يشاور فيه أصحابه؛ فقالت طائفة: ذلك في مكائد الحروب, وعند لقاء العدو, وتطييبا لنفوسهم , ورفعا لأقدارهم, وتالفا على دينهم, وإن كان الله تعالي قد أغناه عن رأيهم بوحيه.
ثانيا: بالنسبة لقوله تعالي:
"وأمرهم شورى بينهم "
فالثابت أن الأنصار قبل قدوم النبي" إليهم كانوا إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه ؛ فمدحهم الله تعالى به.
وجه الإعجاز:
إن الشورى اصل أساسي من أصول الإسلام, ويدلنا على ضرورة المشاورة قوله: "شرار أمتي من يلي القضاء إن أشتبه عليه لم يشاور, وإن أصاب بطر, وإن غضب عنف, وكاتب السوء كالعامل به".
ووجه الشر في الحديث يكون في حالة امتناع القاضي عن المشاورة فيما اشتبه عليه. وهو توجيه عام- لكل ولي أمر أيا كانت درجته ومكانته- بضرورة المشاورة فيما اشتبه وأشكل عليه حتى يجئ رأيه صحيحا سليما.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشورة لأصحابه, وعلى نهجه سار الخلفاء الراشدون من بعده, فما أمضوا أمرا إلا بعد المشورة والرأي بينهم.
المؤلفون | أ.د السيد عطية عبد الواحد |
التصنيف | العلوم الإنسانية والاجتماعية |
الوسوم | الاعجاز التشريعي |
عدد المشاهدات | 525 |
عدد المشاركات | 0 |
شارك المادة | |
تحميل المادة | تحميل المادة |
آيات الأحكام المرتبطة بالمواريث جاءت غاية في الإيجاز البليغ، مع شُمُولها كلَّ جوانب الأحكام التي تتناولها؛ فهي مُوجزة وشاملة، والجمعُ بين الشُّمول والإيجاز لون من الإعجاز التشريعي، فهناك آيتان مُتتاليتين في سورة النِّساء، وآية ثالثة، في آخر السُّورة نفسها، هذه الآيات الثَّلاث جمعت أغلب قواعد وأحكام علم الميراث- الذي شرح في أسفار كبيرة- وجمعت نصيب كل وارث في التركة ،بل وأعطت غير الوارثين عطاءات أخرى مثل الوصية المستحبة، مما سهل على الفقهاء التعامل مع علم المواريث من زوايا متعددة، فبدأوا بالحديث عن الحقوق المتعلقة بالتركة وترتيبها، وأسباب الميراث وشروطه وموانعه، وأنواع الورثة وبيان نصيب كل واحد، وبيان من يحجب من الميراث ...، وهذا يدل دلالة واضحة على اتساع الرؤية الفقهية- المستنبطة من آيات الميراث قليلة العدد- في استيعاب الأحكام المتعلقة بالميراث. كما أحكام المواريث قد صيغت بدقة عالية ، فجل الأحكام التي استنبطها العلماء في المواريث مرجعها إلى بضع آيات في سورة النساء ،وبعض الأحاديث، وهذا إعجاز أيضاً يضاف إلى رصيد هذه النصوص الشرعية، وأقول جازماً بأنه لا يمكن لأي نص قانوني من وضع البشر أن يشتمل على كل هذه الأحكام الكثيرة- وهذا بغض النظر عن العظمة والدقة في هذه الأحكام-، وكل هذا يدل دلالة واضحة على إعجاز هذه النصوص لكل البشر حتى لو اجتمعوا لذلك، وصدق الله القائل: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (الإسراء: 88).
كان مناط الميراث عند العرب قبل الإسلام (الرجولة والقوة ) فكانوا لا يجعلون من الميراث حظا للنساء ، ولا الأولاد الصغار ، ولا يرث الرجل إذا مات من أبنائه إلا من أطاق القتال ، ولهذا كانوا يعطون الميراث للأكبر فالأكبر . كما كان العرب يتوارثون بالحلف والمعاقدة ، فكان الرجل يعقد مع الرجل – ليس بينهما نسب أو قرابة – حلفاً على التناصر ، فإذا مات أحدهما ورثة الآخر ، ويحرم ابنه وأخوه من الميراث إذا كان لا يطيق القتال ، ويحرم من الغنيمة. و كان الأمر قريباً من هذا النظام في التوريث لدى اليهود .
إن الناظر في طبيعة التشريع في فريضة الزكاة -بالنسبة لمصارف الزكاة- يجدها قد حددت تحديداً قطعياً في القرآن الكريم في قول الله -عز وجل- : ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(التوبة: 60).