أسماء السور في القرآن الكريم لها دلالتها، فكل اسم يعبر عن حدث في السورة يعطى لـه القرآن الكريم أهمية خاصة أو درجة أهمية معينة. نزيـد هـذا الأمر وضوحاً: أسماء السور في القرآن الكريم تعطى دلالة معينة، إنها تشير إلـى خصوصية من نوع معين لموضوع هذا الاسم في السورة، وتسمية سورة النساء بهذا الاسم يحمل وجه إعجاز. يتمثل هذا الإعجاز في عناصر متعددة منها:
1- هذه التسمية تخبر مسبقاً بأمر مهم سوف يجيء في هذه الـسورة، وهـذا الأمر المهم يتعلق بالنساء. هذه التسمية تمثل أكفأ تنبيه للإنسان الذي جاء له تـشريع الميراث في هذه السورة، هذه التسمية تقول لإنسان القرآن الكريم إن النساء سـوف يكون لهن اعتبار خاص في الأحكام التي ستجيئ في هذه السورة.
2- عنصر ثان في هذا الوجه الإعجازي يتعلق بعقلية إنسان القرآن الكـريم،فتسمية السورة التي جاءت فيها آيات الميراث باسم النساء يعمل على تشكيل عقليـة إنسان القرآن الكريم، وهذا الأمر مطلوب لتتفاعل عقلية المسلم تفاعلاً إيجابياً صحيحاً مـع آيات الميراث التي جعلت المرأة وارثة.
3- البيئة العربية التي نزل فيها القرآن الكريم كان لها تقليد بشأن موقف المرأة في الحياة العامة، و ليس من المبالغة أن نقول إن المجتمع العربي قبل مجيء الإسلام كان مجتمع الرجل، فجاءت سورة النساء بهذا الاسم لتغيير نظرة المجتمع للمرأة، وإحداث الإصلاح على وجه العموم والإصلاح الاجتماعي على وجه الخصوص يكون التحدي فيه لـه نتائجه الإيجابية. التحدي يصاحبه حالة مراجعة حادة، هذه المراجعة الحادة هي اللحظة الملائمة للتغيير. سورة القرآن الكريم التي جـاءت فيهـا آيـات الميراث والتي عنوانها النساء أنتجت هذه الحالة من التحدي ووظفته.
4- السورة التي تجيء فيها آيات الميراث وعنوان هذه السورة النساء تتـضمن رسالة إلى المرأة أنه سيكون لها اعتبارها في التشريعات التي جاءت فـي الـسورة ومنها تشريع الميراث.
5- تسمية السورة باسم النساء لا تقف آثاره أو تفاعلاته الإيجابية بالنسبة للمرأة عند حد الميراث وإنما تمتد هذه الآثار والتفاعلات إلى كل حياة المرأة الاجتماعيـة وغيرها؛ لأجل أن نتبين عظمة الرسالة التي وجهت إلى المرأة فإنه يكون مفيـداً أن نتذكر ما كانت عليه المرأة قبل الإسلام في كل المجتمعات. كما أن عنوان سورة النساء يوجه للمرأة رسالة إيجابية عن مكانتها ودورها في الحياة الجديدة في ظل الإسلام.
6- سورة النساء جاءت فيها تشريعات كثيرة تعمل في مجالات متعددة من الحياة،فآيات الميراث جاءت في بداياتها، ثم جاءت آيات كثيرة عن موضـوعات كثيـرة،، وأخيراً تختم السورة بآية عن الميراث، وعن ميراث المرأة على وجه التحديد؛ للتأكيد على قيمة المرأة ومدى الاهتمام بها وبالأحكام التي تخصها.
المؤلفون | د.خالد راتب |
التصنيف | التشريعي و البياني |
الوسوم | الاعجاز التشريعي |
عدد المشاهدات | 703 |
عدد المشاركات | 0 |
شارك المادة | |
تحميل المادة | تحميل المادة |
قال تعالى : فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ. (سورة سبأ 14) تفسير الطبرى : يقول تعالى ذكره: فلما أمضينا قضاءنا على سليمان بالموت فمات (مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ) يقول: لم يدل الجن على موت سليمان (إِلا دَابَّةُ الأرْضِ) وهي الأرضة وقعت في عصاه التي كان متكئًا عليها فأكلتها، فذلك قول الله عز وجل (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) وهذه الآية القرآنية تتضمن ذكر ما حدث لنبي الله سليمان بن داود عليهما السلام عند وفاته، وذلك أنه لما مات كان متكئا على عصاه، فبقي متكئا عليها مدة من الزمن كما هو؛ لأن أجساد الأنبياء لا تبلى، وكان الجن لا يعلمون أنه قد مات، حتى وقعت الأرضة في عصاه التي كان متكئا عليها وكان لذلك سبب وهو ما قد أشيع: أن الجن تعلم الغيب، وهو غير صحيح حيث أكد الله بطلان هذا بقصة موت النبي سليمان عليه السلام، وذلك أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا بموت سليمان في حينه، لكنهم لم يعلموا بذلك إلا بسبب الأرضة التي أكلت عصاه، فكان هذا دليلا قاطعا على أن الجن لا يعلمون الغيب، وقد ذكر الله ذلك في آخر هذه الآية بقوله تعالى: ﴿فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين .
إن المتأمل في آيات الأحكام يجد إعجازا تشريعيا ،فكل حكم يلتزم به المسلم لا بد من ربطه بجانب أخلاقي أو روحي ؛والهدف من ذلك تنمية الاستجابة للحكم داخل الضمير الإنساني والمجتمع، وسنعرض بعض النماذج التطبيقية على ربط الحكم الشرعي بالجانب الروحي والخلقي فقبل عرض أحكام المواريث (في سورة النساء) بداية من الآية الحادية عشر يأتي الأمر من الله بتقوى ومراقبته ،حيث افتتحت سورة النساء بأمر الناس جميعا بالتقوى، والحث على العبادة في إخلاص، والأمر بصلة الأرحام، وبيَّنت الآيات الأسباب الداعية لإقامة ورعاية تلك العلاقات على أسس متينة من التقوى والعدل، حيث إنه- وإن بث البشر في أقطار المعمورة -فقد خلقهم قبل ذلك من نفس واحدة، فهم يرجعون إلى أصل واحد، مما يستدعي عطف بعضهم على بعض، و يستوجب حنو بعضهم على بعض لإشاعة المودة وإفشاء التعاون والمحبة تحت مظلة الدين الخاتم، فجاء الأمر بالتقوى مقرونا بصلة الأرحام والنهي عن قطيعتها، لتأكيد أن لزوم تلك الحقوق، كلزوم القيام بحق الله تعالى، ففي هذه السورة يتم تجسيد ملامسة الفطرة الإنسانية في وشائجها وعلاقاتها الفطرية، رسما لمنهج مجتمع فاضل، تحكمه روابط أصيلة وتسيره أوامر رب العالمين بمقتضى الفطرة، وقطعا لدابر أي انحراف .
كان مناط الميراث عند العرب قبل الإسلام (الرجولة والقوة ) فكانوا لا يجعلون من الميراث حظا للنساء ، ولا الأولاد الصغار ، ولا يرث الرجل إذا مات من أبنائه إلا من أطاق القتال ، ولهذا كانوا يعطون الميراث للأكبر فالأكبر . كما كان العرب يتوارثون بالحلف والمعاقدة ، فكان الرجل يعقد مع الرجل – ليس بينهما نسب أو قرابة – حلفاً على التناصر ، فإذا مات أحدهما ورثة الآخر ، ويحرم ابنه وأخوه من الميراث إذا كان لا يطيق القتال ، ويحرم من الغنيمة. و كان الأمر قريباً من هذا النظام في التوريث لدى اليهود .