الآية موضع الإعجاز:
(نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
(223) سورة البقرة
المعانى اللغوية وأقوال المفسرين:
أصل الحرث شقٌّ السطح الملتئم وإثارته، ومنه شق الأرض بالمحراث وتقَلْيب تربتها وتجهيزها لإلقاء البذور فيها ، والحرث: أيضا الزرع. قال ابن جرير الطبرى: وقوله: (نساؤكم حرث لكم) قال ابن عباس: الحرث موضع الولد (فأتوا حرثكم أنى شئتم) أي: كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد (يعنى الفرج). وروى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله: كانتِ يَهودُ تقولُ من أتى امرأتَهُ في قُبلِها من دبرِها كانَ الولدُ أحوَلَ فأنزلَ اللَّهُ سبحانَهُ "نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ". وقال القرطبي، والفخر الرازي والطاهر بن عاشور: (لفظة الحرث فيها تشبيه بليغ ؛ لأن النساء مزدرع الذرية، فشبه الله رحم المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات). وشبهت المرأة بالأرض لأن كليهما يمد الوجود الإنسانى بأسباب بقائه. ومن الناحية البلاغية كلمة (حرث) جاءت مصدر وذلك للمبالغة في فعل الحرث ، ولفت النظر لأهميته.
التوجيه العلمى:
تحدث دورةُ الطمث أو الدورة الشهرية إذا لم يحدث حمل ، وتبدأ في اليومِ الأول من النَّزف (الحيض) ، وتنتهي قبلَ دورة الطمث الثانية مُباشرةً. ومتوسط دورة الطمث 28 يوما ، ويستمر نزفُ دم الطمث من 3 - 7 أيَّام، وبمُتوسِّط 5 أيَّام. وفيها يقوم الهرمون المنبِّه لِلجَرِيبِ (Follicular stimulating hormone (FSH) وهرمون الملوتن (lutein Hormone (LH). بتعزيز الإباضة لإخراج البويضة المبيض ، وإنتاج هرمونى الإستروجين (Estrogen) والبروجستيرون (Progestrone). وتحدث الإباضة فى اليوم 14 من الدورة الشهرية. ويُحرِّضُ هرمون الإستروجين وهرمون البروجستيرون الرحمَ والثديين ليُصبحا جاهزين لإخصابٍ مُحتَملٍ. وفي هذه المرحلة ، تنخفض مُستويات الهرمون المُلوتن والهرمون المنبّه للجُريب، بعد إطلاقِ البُويضة. وإذا حدث الإخصاب يُنتج كمياتٍ كبيرةٍ من هرمون البروجستيرون الذى يُجهِّزُ الرحمَ لانغراس البويضة المخصبة ، وإلى تثخُّن بِطانة الرحم ، وأن تُصبح مليئةً بالسوائلِ والمواد المغذية لها عن طريق زيادة تدفق الدم للرحم فينمو الجنين ويربوا . ويُصبح المُخاطُ في عنق الرحم لزجاً أكثر، بحيث يصعب على النطاف أو البكتيريا دُخول الرحم. وإذا انغرَست البلاستيولا التى تكونت من البويضة المخصبة تتكون العلقة ، وتبدأ الخلايا حولَها بإنتاجِ هرمون يُسمَّى مُوجّهة الغدد التناسليَّة المشيمائيَّة البشرية (HCG) human chorionic gonadotropinوهو مؤشر لحدوث الحمل ويمكن قياسه فى البول ، ويُحافِظُ هذا الهرمونُ على إنتاج البروجستيرون إلى أن تستطيع المشيمة الأمية التى تكونت بعد الغرس من انتاجه بغزارة لكى يحافظ على تهدأة جدار الرحم مما يؤدى إلى ثبات الحمل. وهذه العملية من تقليب بطانة الرحم العلوية ، وزيادة سماكة الرحم وزيادة المواد المغذية وتدفق الدم فيه بغزارة ، تتشابه تماما مع تقليب الأرض ، ووضع البذرة وريها بالماء ، فتنمو وتربوا . كما أن للمنى دور آخر وهو إثارة الخلايا المناعية التى فى الرحم مما يجعلها أدوات تعقيم لأنبوب الرحم فلا يموت الجنين من عدوى تصاعدية. وإذا لم يجرِ تخصيبُ البويضة أو إذا لم تنغرِس البُويضة المُخصَّبة ، وتنخفض مستويات الإستروجين والبروجستيرون، وتبدأ دورة طمث جديدة، وتتفكَّك الطبقات العلويَّة لبطانة الرحم وتنطرح، ويخرج دم الطمثإيذانا ببداية دورة طمث جديدة.
أوجه الإعجاز فى الآية الكريمة:
وجه من أوجه الإعجاز البلاغى فى الآية أن فيها تشبيه بليغ لمحسوس بمحسوس، وهو أكثر أنواع التشبيه بلاغة، فشبه الله النساء بالأرض المحروثة ، وحُذفت أداة التشبيه (الكاف)، وحُذف وجه الشبه، لإستثارة العقل للبحث عن كيفية حراثة النساء لمني الرجال كما نشاهد حراثة الفلاح لأرضه. ووجه آخر للإعجاز العلمى فى الآية من قوله تعالى (حرث لكم) يتمثل فى تمزق خلايا الطبقة العلوية لبطانة الرحم وطرحها ، ونزف الدم ، واستثارة الرحم بعد اخصاب البويضة ، واستبداله بطبقة جديدة ، وزيادة سمكه ، بزيادة تدفق الدم المحمل بهرمونى الإستروجين والبروجستيرون والمواد الغذائية إليه لغرس الجنين المتولد من البويضة المخصبة ، ولتثبيت الحمل ، كما يحدث لحرث الأرض مع تقليبها وريها بالماء لاستقبال البذرة ونموها لتخرج نباتها ، فجمعت كلمة (حرث) كل هذه المعانى العلمية الدقيقة التى تحدث فى الرحم ، وكان هذا سبقا علميا للقرآن الكريم إذ لم يتفطن العلماء لهذه المعلومات إلا فى آواخر القرن العشرين وهذا يدل على صدق الرسالة وصدق الرسول ﷺ.
المؤلفون | أ.د. حنفي محمود مدبولي |
التصنيف | التشريعي و البياني |
الوسوم | نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ |
عدد المشاهدات | 285 |
عدد المشاركات | 0 |
شارك المادة | |
تحميل المادة | تحميل المادة |