إعجاز الترتيب التنازلي في تصوير سرعة وقوع الساعة الكبرى

(وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

[النحل: 77]

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)

[القمر: ٤٩ – ٥٠]

ورد تصوير سرعة وقوع الساعة بالتشبيه في هذين الموضعين من كتاب الله، وبالنظر في التشبيهين (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) و (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) يتبين أن الفرق الظاهر بينهما خلو الباء من تشبيه النحل (كلمح البصر) ووجودها في تشبيه القمر (كلمح بالبصر) وجود العطف بأو في سورة النحل (أو هو أقرب) وعدم وجود ذلك في سورة القمر، وفي المعاجم اللغوية أن: لمح البصر: أي امتد إلى الشئ، ولمحه ببصره : صوبه إليه، وهذا يعني أن الوقت الذي يستغرقه التركيب الأول أقل فهو خطفة بصر، وأن الوقت الذي يستغرقه التركيب الثاني : لمح ببصره أطول وهما متقاربان، إلا أن مافي سورة النحل زمنه أقصر وما في سورة القمر زمنه أطول.

لذا ساغ العطف على مافي سورة النحل (أو هو أقرب) وهو ترق تصاعدي في المعنى، فــ (أو) هنا بمعنى بل وهي للإضراب الانتقالي  مثلها مثل ماجاء في قوله تعالى (فأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون) أي: بل يزيدون، وقوله (فهي كالحجارة أو أشد قسوة) أي : بل أشد قسوة، وكل هذا مما يبين أن دلالة تشبيه سرعة وقوع الساعة في النحل أقصر زمنا، وأسرع وقوعا، وأن مافي سورة القمر أطول زمنا مما في سورة النحل، وقد نظر كل تركيب إلى مطلع السورة فالأقل زمنا جاء في سورة مطلعها (أتى أمر الله فلاتستعجلوه) والأطول زمنا جاء في سورة مطلعها (اقتربت الساعة وانشق القمر) والتركيبان متقاربان تقارب تراكيب المطلعين، وقد جاء التعبير عن زمن السرعة الأقل في سورة النحل وهي في ترتيب المصحف تقع قبل سورة القمر، وجاء الأطول في القمر وهي تقع في ترتيب المصحف بعد سورة النحو، وهو من ترتيب المعنى تنازليا، وهو عمود من عمد ترتيب المعنى الواحد في الذكر الحكيم.