ينبتون كما يَنْبُتُ البَقْلُ

ينبتون كما يَنْبُتُ البَقْلُ

أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قال رسول الله - ﷺ -: ما بيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ، قالَ: أرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً؟ قالَ: أبَيْتُ، قالَ: ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيَنْبُتُونَ كما يَنْبُتُ البَقْلُ، ليسَ مِنَ الإنْسانِ شَيءٌ إلَّا يَبْلَى، إلَّا عَظْمًا واحِدًا، وهو عَجْبُ الذَّنَبِ، ومِنْهُ يُرَكَّبُ الخَلْقُ يَومَ القِيامَةِ ). وفى مسند الإمام احمد :  قال رسول الله ﷺ: ‏ثم ينزل ‏ ‏الله ‏ ‏قطراً ‏ ‏كأنه ‏ ‏الطل ، ‏فسره العلماء بأنه ماء له صفات مخصوصة فى زمن مخصوص (يوم البعث) ، وإلا لو كان ماء عاديا لكانت الأجساد تنبت من القبور فى كل وقت ينزل فيه المطر .

التوجيه العلمى: 

يشترط فى الإنبات وجود جنين حى ، وبيئة مناسبة ، وماء مناسب ، وفترة زمنية للإنبات. وفى حالة عدم وجود هذه الظروف المناسبة فلا ينبت النبات. كذلك الحال فى البعث من القبور ، يحتاج الإخراج من عجب الذنب النفخ فى الصور ، والماء المخصص لذلك  يوم البعث من القبور ، وفترة زمنية لنمو الأجساد ونفخ الروح فيها. ولتحقيق هذا لابد من موقظ لعجب الذنب فتأتى النفختان فى الصور ، قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) سورة الزمر. قال الإمام ابن جرير الطبرى: وقوله ( فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ ) يقول: مات , وذلك في النفخة الأولى. ( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى ) قال: وهى نفخة البعث. وقال الإمام بن كثير: قال تعالى : ( فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) أي : أحياء بعد ما كانوا عظاما ورفاتا  ، قد تمت منهم الخلقة الجسدية والأرواح، وشخصت أبصارهم  (يَنْظُرُونَ)  ماذا يفعل اللّه بهم. 

وحدد النبى محمد ﷺ بين نفخة الصعق ، ونفخة البعث بأربعين وأبى الصحابى الجليل أبو هريرة أن يحددها هل هى أربعين يوما أم شهرا أم سنة ، وربما تكون هذه الفترة بالنسبة لمن فى القبور هى التى يعود فيها الجسد من عجب الذنب على آخر عهد به قبل الوفاة بشحمه ودمه ولحمه وعظمه فلا يفوته شىء مما كان عليه ، كما أخبر بذلك الإمام مسلم بسنده عن جابر بن عبد الله عن النبى ﷺ (يُبْعَثُ كلُّ عبدٍ في القبرِ على ما ماتَ ، المؤمنُ على إِيمانِهِ ، والمُنافِقُ على نِفَاقِهِ)

ومن دراستنا لعلم الاستنساخ لكى يتم اعادة برمجة كروموسومات النواة التى أخذت من ضرع النعجة الأم ، ثم نقلها إلى بويضة نعجة أخرى  ، كان ولابد من صعق الخلية بشرارة كهربائية ، فكانت النعجة دوللى(). فهل نفخة الصعق أو نفخة البعث تحتوى فائدتها على ايقاظ كروموسومات خلايا عجب الذنب بعد هذا الرقاد الطويل لكى تنبت الأجساد منها؟

 وتبين لنا من دراسة نمو نبات البقل وتخليق الأجنة من الخيط الأولى والذى ينتهى بعجب الذنب أن هناك تشابه بين انبات البقل وبين عجب الذنب من حيث:  أن بذرة نبات البقل من النوع حقيقى النواة وكذلك خلايا عجب الذنب، وأن نبات البقل ينمو من أسفل إلى أعلى ، وكذلك الشريط الأولى ينبت من أسفل إلى أعلى ، وأن نبات البقل ينمو أولا الجذر ثم الساق التى تحمل الأوراق والثمار ، كذلك الخيط الأولى فنجد أولا تخليق سالفة العمود الفقرى التى تكون الفقرات والتى تحمل الدماغ وباقى أعضاء الجسم ، وأن بجنين نبات البقل جينات الصندوق التى تساعد على تمايز الجذر والساق والأوراق والثمار، كذلك خلايا الشريط الأولى - والتى منها عجب الذنب - بها جينات الصندوق البشرية التى تساعد على تمايز طبقات الخلايا وتكوين الأنسجة والأعضاء المتميزة فى تركيبها  ووظائفها ، وأن جنين نبات البقل يكون فى حالة من السكون دون أن يفقد الحياة حتى يأمر الله تعالى بنزول المطر عليه من السماء فينبت من الأرض، كذلك الحال مع خلايا عجب الذنب فتبقى فى حالة سكون دون أن تموت ، فإذا جاء وقت البعث وأنزل الله مطرا مخصوصا لخروج الناس من عجب أذنابهم لخرجوا للحساب والجزاء.

أوجه الإعجاز العلمى: 

وقوله ﷺ «كما يَنبُتُ البَقلُ»، فيه تشبيه بخروج الناس من تربة القبور كخروج البقل من تربة الأرض ، لأن الله تعالى يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان  في يوم من الأيام سوف يستبين له دور عجب الذنب ، في تخليق جسد الجنين ، وفى البعث من القبور ، فأوحى إلى  خاتم أنبيائه ورسله النطق بهذه الحقيقة ليبقى فيها من الشهادات على صدق رسالته ، وصدق الوحى  ما يبقى موائمًا لكل زمان ولكل عصر ، فإن مثل هذه الإشارات العلمية في كل من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ  تكون أسلوبا متميزا وفريدا لدعوة الناس إلى دين الله عز وجل ، فى زمن لا يؤمن  الناس فيه - خصوصا الأجيال المتقدمة - إلا بالعلم ، فلا يمكن لعاقل أن يتصور مصدرًا لهذه الحقائق العلمية من قبل ألف وأربعمائة سنة إلا من خلال وحي صادق من الله الخالق سبحانه وتعالى وعز وجل.

المؤلفون أ.د. حنفي محمود مدبولي
التصنيف علوم الحياة
الوسوم ينبتون كما يَنْبُتُ البَقْلُ
عدد المشاهدات 196
عدد المشاركات 0
شارك المادة
تحميل المادة

مواد ذات صلة

لا توجد عناصر