الميراث والحفاظ على السلم المجتمعي

تأكيدا على تحقيق السلم المجتمعي فإن الشرع الحكيم في تعرضه لأحكام الميراث قد ربط بين الحكم الشرعي والجانب الأخلاقي ؛والهدف من ذلك تنمية الاستجابة للحكم داخل الضمير الإنساني والمجتمع، فقبل عرض أحكام المواريث في سورة النساء نجد افتتاح السورة  بأمر الناس جميعا بالتقوى، والأمر بصلة الأرحام، ورعاية العلاقات الإنسانية على أسس متينة من التقوى والعدل، فالكل يرجع إلى أصل واحد،  مما يستدعي عطف بعضهم على بعض، ويستوجب حنو بعضهم على بعض‏؛ لإشاعة المودة وإفشاء التعاون والمحبة تحت مظلة الدين الخاتم، فجاء الأمر بالتقوى مقرونا بصلة الأرحام والنهي عن قطيعتها، لتأكيد أن لزوم تلك الحقوق، كلزوم القيام بحق الله -تعالى-  وأن هذه التقوى وتلك المراقبة أمر عام بمعنى أنها ليس مقصورة على المسلمين فقط بل شاملة للجنس الإنساني،

قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبً ﴾ (النساء:1)

.والالتزام بالتقوى والمراقبة قبل التعامل المالي يجنب الناس مشاكل كثيرة تحدث بسبب المبالغة في حب المال، مما يدفع بعض الناس إلى الظلم والعدوان وأكل أموال الناس بالباطل خاصة الضعفاء من اليتامى والنساء ، وقد يحدث ذلك عند توزيع التركات، فجاء الإسلام مذكرا الناس بالخوف من الله والرجوع إليه مما يجعلهم ملتزمين بالأحكام الإلهية التي سيطالبون بها لاحقا في طور الأحكام التفصيلية للميراث. ولن تجد هذا الربط بين المعاملة المالية والأخلاق والمحافظة على السلم المجتمعي إلا في الإسلام.