وردت صورة ضياع أعمال الكافرين في أربع سور من الذكر الحكيم هي على هذا الترتيب (آل عمران - إبراهيم - النور - الفرقان)
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
[آل عمران: ١١٦ – ١١٧].
(مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ)
[إبراهيم: ١٨].
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ)
[ النور: ٣٩ - ٤٠]
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا)
[الفرقان: ٢٣]
الآيات الكريمة على هذا الترتيب في المصحف الشريف، وعند تدبر صورة الأعمال وماتكون عليه يوم القيامة في سورة آل عمران نرى الأعمال حرثا هالكا (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ) بسبب الريح ذات البرد الشديد،فهي صورة لأول الضياع وفيه من الحسرة مافيه، وفي سورة إبراهيم صار الحرث بعد الحرق رمادا اشتدت به الريح في يوم عاصف، (كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ).
فهي تلي الصورة السابقة لأن الرماد أثر الإحراق ونتيجته، وفي سورة النور صارت الأعمال بعد كونها رمادا تطيح به الرياح سرابا (كَسَرَابٍ) وهي نتيجة تطويح الريح العاصف للرماد في سورة إبراهيم، ثم صارت في سورة الفرقان هباء لايبقى منه شئ مشاهد لكونه منثورا، (هَبَاءً مَّنثُورًا) وما من ريب في أنك تبصر المعنى يتصاعد من البدء إلى الانتهاء كما تجليه صورة الأعمال، وربما تتساءل لم رتب المعنى هذا الترتيب؟ ولم لم يجمع في سورة واحدة؟ والجواب أن توزيع التحسير أشد إيلاما، فضربة واحدة لاتؤلم كضربات كثيرة، كما أن في ذلك شفاء للمؤمنين، كما أن التوزيع يحتاج تدبرا أعلى، والتوزيع من آياته أيضا الإعلان عن الترتيب المعجز للمعاني في الذكر الحكيم، الذي كان مبتداه من سورة آل عمران ومنتهاه سورة الفرقان، وسورة آل عمران مقصوده التوحيد الذي لاح به مطلعها (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) والتوحيد هو الذي به تقبل الأعمال وتحصل منازل الأجر والثواب،وسورة الفرقان التي جاءت للتفريق بين الملتبسات وتميز الحق من الباطل، فتدبر بدء المعنى ومنتهاه أين وقع، ليلوح لك جلال الترتيب وجمال التركيب وروعة الموقع.
المؤلفون | أ.د إبراهيم الهدهد |
التصنيف | التشريعي و البياني |
الوسوم | إعجاز الترتيب التصاعدي حسرة الكافرين على ضياع أعمالهم في الآخرة |
عدد المشاهدات | 770 |
عدد المشاركات | 0 |
شارك المادة | |
تحميل المادة | تحميل المادة |
أما تشبيه العنكبوت فمقصوده تصوير عجز الأصنام عن الدفع، وحماية أنفسها، وحماية عابديها، وهو أشد العجز ، وقال العلامة ابن عاشور: "ولما بينت لهم الأشياء والأمثال من الأمم التى اتخذت الأصنام من دون الله فما أغنت عنهم أصنامهم لما جاءهم عذاب الله أعقب ذلك بضرب المثل لحال جميع أولئك وحال من ماثلهم من مشركى قريش فى اتخاذهم ما يحسبونه دافعا عنهم وهو أضعف من أن يدفع عن نفسه بحال العنكبوت تتخذ لنفسها بيتا تحسب أنها تعتصم به من المعتدى عليها فإذا هو لا يصمد".
جاء هذا المعنى في ست سور من الذكر الحكيم هي على ترتيب المصحف (يس ـ القمر ـ المعارج ـ الانفطار ـ العاديات ـ القارعة) في سورة يس ذكر (الأجداث) جمع جدث وهو القبر ، وقع الفعل (ينسلون) ومعناه: يمشون مشيا سريعا، دون تصوير لهيئة هذا المشي السريع، وفي سورة القمر صورت هيئتهم عند الخروج، فهم في صورة تشبه صورة الجراد المنتشر، في التزاحم (كأنهم جراد منتشر) عند الخروج من القبور،فهي صورة تلي الصورة التي أجملتها سورة يس.
الترتيب التصاعدي بين، فنحن نبصر أن القرآن الكريم وصف الشمس بأنها تشبه السراج في سورة نوح ـ عليه السلام ـ وهي السابقة في ترتيب المصحف على سورة النبأ، والتراكيب في سورة نوح متجهة لبيان مقصودها وهو "الدلالة على تمام القدرة على ما أنذر به آخر سأل من إهلاك المنذرين وتبديل خير منهم" وكان التذكير بنعم الله مرتكز إنذارهم من الآية الحادية عشرة إلى نهاية الآية العشرين، فقيدت النعم بأعلى ماتؤديه فالقمر نور والشمس سراج، والأرض بساط وهكذا، وجاء نمط التذكير أوجز مايكون وأبلغه في السورة الكريمة.