الإعجاز البلاغي في قوله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو أعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير وأحضرت الأنفس الشح…) [النساء: 128]
سبب حمل الإسلام على هذه الطبقة أنها طبقة معطلة فهي طاقة بشرية وأيضا مادية بما تملكه من أموال أوصلتها إلى حد الترف. فطاقة مثل هذه لابد أن تتجه إلى تصريف ما بها ولن يكون تصريفه إلا في مصارف تافهة تلتقى جميعها عند حد التفاهة والميوعة والقذارة الحسية والمعنوية . إن محاربة الإسلام للترف، إنما هو محاربة لفساد العقول وتخريب الأموال لأن الترف نتيجته ترهل الأجسام والعقول. لذلك جعل الله سبحانه وتعالى المترفين من أصحاب الشمال. يقول سبحانه: "وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم . وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم، إنهم كانوا قبل ذلك مترفين.. وصور ابن خلدون مفاسد الترف بقوله: "إن أكثر المترفين يترفع عن مباشرة حاجاته، أو يكون عاجزا عنها لما ربى عليه من خلق التنعم والترف فيتخذ من يتولى ذلك ويقطعه عليه أجراً من ماله، وهذه الحالة غير محمودة بحسب الرجولية الطبيعية للإنسان، إذ الثقة بكل احد عجز ولأنها تزيد في الوظائف والخرج وتدل على العجز والخنث الذي ينبغي في مذاهب الرجولية التنزه عنهما. ومن مفاسد الترف أيضاً: أنه يترتب عليه التفنن في شهوة البطن، والمأكل والملاذ فيفضي ذلك إلى فساد النوع. ووصل ابن خلدون في وصف الأثر المخرب للترف إلى أنه يعصف بالدولة كلها فتضعف الحماية – أي نتيجة للترف- لذلك وتسقط قوة الدولة ، وتجاسر عليها من يجاورها من الدول ومن هو تحت أيديها من القبائل والعصائب ويأذن الله فيها بالفناء.
إن العقيدة الإسلامية تدفع بالمسلم دائماً إلى أن يوجه إنفاقه على مصالح المسلمين سواء بالإنفاق المباشر على الغير أم بالإنفاق الاستثماري الذي يؤدى إلى زيادة رأسمال المجتمع وتحقيق مصالحه. ولعل ذلك يدفع بكل مسلم أن يكون منضبطاً في استهلاكه حتى لو انخفض المستوى العام للأثمان داخل الدولة فلن يحصل إلا على ما يسد حاجته حتى يتجنب الإسراف والتبذير المنهي عنهما شرعاً. وفي حصيلة السياسة المالية الإسلامية متسع لتمويل إنتاج الصناعات والسلع الاستهلاكية التي تهم الأفراد والمجتمع بأسره، لأن السلع الاستهلاكية هي مما يكون به قوام حياة الأفراد، وبالتالي توجه السياسة المالية جزءاً من حصيلتها لتمويل وإشباع هذا الجانب، بل أكثر من ذلك تقرر السياسة المالية الإسلامية الإعفاءات لما هو ضروري ولازم لأفراد المجتمع من السلع الاستهلاكية. من ذلك ما ذكره أبو عبيد قال:" كان عمر يأخذ من النبط من الزيت والحنطة نصف العشر لكي يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر". وهكذا يظهر أن مسار السياسات الاقتصادية والمالية في الإسلام إنما مداره تحقيق مصلحة المجتمع في ضوء ضابط الأولويات الشرعية المقررة في الإسلام. ويلاحظ مما سبق أن هناك ضابطاً جوهريا تضعه الشريعة الإسلامية في مجال الإنتاج والاستهلاك من شأنه أن يقلل من الآثار السلبية ويتمثل هذا الضابط فيما وضعته الشريعة من أولويات للسلع والخدمات التي تدخل في نطاق الحاجات المعتبرة، ذلك لأن الشريعة لا تجعل كل المباحات في درجة واحدة وإنما ترتبها في مستويات ثلاثة: السلع والخدمات الضرورية: وهي التي إذا فقدت أي إذا لم توجد لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، ولا قيام للحياة بدونها. ومجموع الضروريات خمسة وهي: حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل. السلع والخدمات الحاجية: وبغيابها يكون في الحياة حرج ومشقة.السلع والخدمات الكمالية: وهي التي إذا وجدت تزيد من فرص استمتاع الإنسان بالحياة وتجعلها هنيئة وجميلة. وهذا القيد يفرض على السياسة المالية الإسلامية ألا تمول مستوى منها إلا بعد إشباع المستوى السابق عليه، وبالتالي فيكون تمويل السياسة المالية دائماً لما هو أكثر إنتاجية وأعلى منفعة والناس أكثر احتياجاً له. بمعنى أن تبدأ السياسة المالية الإسلامية بتمويل كل مشروع إنتاجي ينتج السلع والخدمات الضرورية وبعد تمام الوفاء به تنتقل إلى إشباع الحاجيات ثم التحسينات. فالضروري مقدم في الاعتبار على الحاجي ،والتحسيني متأخر عنهما. ولعل هذا القيد أيضاً يحفظ للمجتمع استقراره وأمنه مادام يسعى إلى توفير الضروريات التي بها حياة الناس، ولا تجعله ينصرف إلى إنتاج الحاجي والتحسيني وباختلالهما يمكن أن تقوم حياة الناس، مثال ذلك ما نشاهده الآن من ظهور سلع غاية في الترف وفي المقابل يوجد نقص شديد في السلع الضرورية.
يمكن أن نبرهن على معرفة الفكر الإسلامي لقاعدة الاقتصاد في نفقات التحصيل من وجوه متعددة منها: أن نظام الزكـاة بذاتـه مـن شـأنه أن يقلـل - إلى حـد كبير – من نفقات تحصيل الزكاة. ويرشدنا لذلك قوله ﷺ لمعاذ بن جبل (حينما بعثه إلى اليمن): "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم...". فعـن ابـن عبـاس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنـي رسـول الله، فـإن هـم أطـاعوك لـذلك، فأعلمهم أن الله افـتـرض عليهم خمـس صـلوات في كـل يـوم وليلـة، فـإن هـم أطـاعوك لـذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صـدقة تؤخـذ مـن أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". [رواه الجماعة]. فنظام الزكاة يقـوم بصفة أساسية على أن يقـوم محصل الزكاة بجمع الزكاة من أغنياء إقليم معين ثم يقـوم بإعادة توزيـع هـذه الحصيلة على فقراء هـذا الإقليم، مما يعني أنه لن يتكلف أية نفقات في سبيل تحصيل الزكاة. ومما يدعم هذا المعنى أيضا أن كل غني مسلم يعلم أن إخراج الزكاة فرض وواجب عليـه مـمـا يدعوه إلى المساعدة في إخراج هذا الحق بصورة سهلة وميسورة. وقد جاء في كتاب الأموال لأبي عبيـد مـا يؤكـد المعاني السابقة فقد جاء فيه: "حدثنا محمد بن كثير عن النعمان بن الزبير قال: (استعمل محمد بـن يوسـف طاوسا عن مخلاف فكـان يأخذ الصـدقة مـن الأغنياء فيضعها في الفقـراء. فلمـا فـرغ قـال لـه: ارفـع حسـابك. فقـال: مـالي حساب. كنت آخذ من الغني فأعطيه المسكين). هكذا يفضي تطبيق نظام الزكاة إلى توفير كثير من الأموال التي تستخدم في تحصيل الزكاة وذلك بسبب محلية تطبيق الزكاة.
تعريف الاحتكار: المحتكر هو الذي يعمد إلى شراء مايحتاج إليه الناس من الطعام وغيره من السلع فيحبسه عنهم ويريد إغلاءه عليهم , وهو ظلم للمشترين, ولهذا كان لولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه, مثل من عنده طعام (سلع) لايحتاج إليه والناس في مخمصة فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل.
إن قيام الاقتصاد الإسلامي على أسس أخلاقية، مستمدة من الدين الإسلامي، يحرم على المسلم أن يغش في بيعه وشرائه، بل إن المسلم – الحق - ينبغي أن يتجنب كل مظاهر الغش والتدليس في كل معاملاته، وعليه أيضا أن يبين الخصائص المتعلقة بالسلعة محل البيع والشراء ويحددها بصورة واضحة ليس فيها غش أو تدليس أو إخفاء لأي عيب من العيوب، وعليه كذلك أن يفي بالكيل والوزن بالحق والعدل آخذاً أو معطياً. وعليه أن يحسن تقويم أشياء الناس من كل نوع.
ترشد الآية الكريمة إلى ضرورة الإنفاق من الطيبات، أي اشتراط حل الإيرادات المحصلة، فهذا الأساس الأخلاقي لا مثيل له في النظم الوضعية الأخرى، ويؤكد ذلك إرشاد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة الكسب الطيب بقوله "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلى الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل" رواه البخاري.
فذلك واجب، فإن أخفاء كان ظالماً عاشا والغش حرام، وكان تاركا للنصح في المعاملة، والنصح واجب يقول عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة، الله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".
فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن تلقي الركبان ونهى عن النجش، أما تلقى الركبان، فهو أن يستقبل الرفقة ويتلقى المتاع ويكذب في سعر البلد.
وذلك بتعديل الميزان والاحتياط فيه والكيل، فينبغي أن يكيل كما يكتال يقول تعالى:"وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)"( المطففين).
أسس الإسلام بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية شريفة لقيم أخلاقية في مجال نظريات العرض والطلب، ومن شأن تطبيق هذه القيم الأخلاقية أن تنضبط الأسواق، ويسود العدل في المعاملات ويرتفع الظلم والغش والتدليس في المعاملات بين الناس.