دعا سيدنا نوح قومه إلى عبادة الله إلا أنهم لم يستمعوا له وصموا آذانهم، فغضب الله عليهم وأمسك عنهم المطر فأصاب الأرض القحط، وأمر الله سيدنا نوح ببناء سفينة، وكان قومه يسخرون منه ويقولون أين الماء الذي تسير فيه سفينتك؟ وصبر سيدنا نوح حتى جاء أمر الله وأمره الله أن يحمل أهله ومن معه من المؤمنين ومن كلٍ زوجين اثنين.
القرآن الكريم لا يعرض قضايا العقيدة في صورة جدلية لا يفهما الناس، بل يعرض هذه القضايا في مجال المؤثرات الواقعية من خلال الأنفس ومشاهد الكون، التي يراها الإنسان: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (فصلت:53).
النص المعجز: (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَاءُ)(6) آل عمران.
قال تعالى : {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الْأَنْعَام: 38]، والمماثلة في قوله (أَمْثالُكُمْ): التشابه في فصول الحقائق والخاصات التي تميز كل نوع من غيره، وهي النظم الفطرية التي فطر الله عليها أنواع المخلوقات. فالدواب والطير تماثل الأناسي في أنها خلقت على طبيعة تشترك فيها أفراد أنواعها، وأنها مخلوقة لله معطاة حياة مقدرة مع تقدير أرزاقها وولادتها وشبابها وهرمها، و لكنها لا تماثل الإنسان في التفكير والحضارة المكتسبة من الفكر الذي اختص به الإنسان”.
النص المعجز: قوله تعالى : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) الذاريات. المعانى اللغوية: الزوج : خلاف الفرد ، وكل شيئين اقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان ، وزاوجه مزاوجة وزواجا : خالطه ، (زوج) الأشياء تزويجا: قرن بعضها ببعض ، الزواج : اقتران الذكر بالأنثى . تفسير العلماء: قال الطبرى: قال مجاهد, في قوله ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) قال: الشىء وضده كالكفر والإيمان, والشقاوة والسعادة, والهدى والضلالة, والليل والنهار, والسماء والأرض, والإنس والجنّ.أ.هـ . وهذا بعيد لأنه يختلف عن المعنى اللغوى للزوجين. وقال ابن زيد, في قوله ( وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ) قال: ذكرًا وأنثى, ذاك الزوجان, وقرأ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ . قال: امرأته. أ.هـ . وهذا هو الأقرب لمعنى الزوجين ، ويدل عليه قول ربنا عز وجل في سورة النجم : (وَأَنّهُ خَلَقَ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ(45) ، وفي سورة القيامة : فَجَعَلَ مِنْهُ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ(39) . التوجيه العلمى: ينتج التكاثر فى الإنسان وجميع أنواع الحيوان بالجماع بين الزوجين (الذكر والأنثى) حيث لهما أعضاء تناسلية ظاهرة كوسائل للتكاثر. وقد يحدث الإخصاب عن طريق الجماع وقد لا يحدث بسبب عيب فى قناة فالوب (مكان الإخصاب) فإذا أخذت صبغيات الحيوانات المنوية وتم دمجها مع صبغيات البويضة كما يحدث فى الإخصاب خارج الرحم فى الإنسان (أطفال الأنابيب أو الإخصاب المجهرى) ، أو الحيوان (التلقيح الإصطناعى) ثم أعيدت البويضة المخصبة (اللاقحة) داخل الرحم يحدث الحمل والولادة بإذن الله تعالى. وهذا يبين أن الأصل فى عملية التكاثر اتحاد الأمشاج فى النطاف الذكرية (الحيوانات المنوية) مع الأمشاج فى النطاف الأنثوية (البويضات) ، قال الله تعالى (إِنّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً(2) سورة الإنسان، وقال تعالى: (وَأَنّهُ خَلَقَ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ(45) مِن نّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىَ(46) النجم. بينما فى النباتات لا يحدث جماع بين الزوجين ولكن تحتوى المتك على حبوب اللقاح ) الصبغيات الذكرية) وتحتوى المياسم على البويضات ( الصبغيات الأنثوية ) ويحدث الإخصاب بينهما عن طريق الرياح أو الحشرات أو غير ذلك من الوسائل ، فلم تأت آية فى كتاب الله عز وجل تبين أن النبات منه الذكر أو الأنثى وإنما ذكر زوج أو زوجين قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ(7) سورة الشعراء ، وقوله تعالى: (وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (3) الرعد. أوجه الإعجاز العلمى: ذكر الزوجين الذكر والأنثى فى الإنسان والحيوان فقط دون غيرهما فى كتاب الله عز وجل ، لظهور الأعضاء التناسلية الخارجية فيهما فعن الحيوان (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۖ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ...(143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ۗ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ...(144) وعن الإنسان قال تعالى: (وَأَنّهُ خَلَقَ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ(45) النجم ، بينما عن الثمرات فى النبات قال تعالى: (وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (3) الرعد ، ولم يذكر فى النبات الذكر والأنثى. كما يوجد أشياء خلقها الله تعالى تتحقق فيها معنى الزوجين مثل البكتريا والفطريات والخمائر والفيروسات يتم تبادل الجينات وقطع من الحمض النووى بينها ، وينتج عن هذا سلالات جديدة وهذا ما أشارت له الآية الكريمة : (وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ(49) الذاريات .
يقول تعالى: ( وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) (النحل/81)، السرابيل جمع سربال وهو القميص السابغ (أى الطويل الواقى)، وقد ورد ذكر "السرابيل" فى الآية الكريمة فى سياق الحديث عن نوعية خاصة من الملابس، تستخدم فى الدنيا للوقاية من الحر. لقد ظهر حديثا مايعرف بالملابس التى تقى من الشمس Sun protecting clothing، وهى ملابس تمتاز بقدرتها على الحماية من الأشعة فوق البنفسجية والتى يكون لها تأثير ضار ومدمر على الجلد، وربما تؤدى الى الاصابة بسرطان الجلد، وبخاصة اذا تم التعرض لتلك الأشعة فى الفترة الزمنية من الساعة العاشرة صباحا الى الرابعة ظهرا. وقد أوضحت الدراسات اختلاف الملابس فى قدرتها على مقاومة وتقليل نفاذ تلك الأشعة للجلد، طبقا للعديد من العوامل أهمها: اللون وطبيعة النسيج وكثافته ونوع المادة ودرجة جفافها والمعالجة الكيميائية. كما أوضحت بعض الدراسات الحديثة، أن استخدام تقنية "النانو" Nano technology باستخدام جسيمات أكسيد الزنك أو ثانى اكسيد التيتانيوم فى معالجة الأقمشة تعمل كدرع واقى، وتمتص الأشعة فوق البنفسجية، كما أوضحت بعض الدراسات أيضا الاتجاه الى استخدام تقنية ”النانو“ فى الملابس الحديثة للجيوش، للوقاية المناخية (الحر والبرد)، وكذلك للوقاية من الميكروبات والنار وغيرها. ان ذكر القرآن الكريم للسرابيل التى تقى من الحر يعتبر سبقا علميا، حيث أصبحت توجد محلات فى بلاد الغرب تبيع تلك النوعية من الملابس، مع اسداء النصيحة بأن تغطى تلك الملابس أكبر قدر من جسم الانسان، والحمد لله على نعمة الاسلام.
يقول الله سبحانه وتعالى: "مثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت: 41). لماذا شبه الله اتخاذ بعض الناس أولياء من دونه، ببيت العنكبوت؟، .... إن الله يجعل فى غالب الحالات هذا البيت سببًا في موت وهلاك الأنثى التي تبنيه وكذلك مرتاديه؛ ففي بعض الحالات تقوم نوع من أنثى العناكب القافزة (Portia genus) بدخول بيت عنكبوت آخر خلسة، وتقوم بهز خيوطها وتحريكها، فتعتقد العنكبوت صاحبة البيت الأصلية أن فريسة ما قد علقت بخيوط بيتها، فتذهب لأكلها فتقوم العنكبوت الدخيلة بقتلها وافتراسها، وبذلك يكون البيت هو السبب الرئيس لهلاك وموت من أقامه. كما أكدت دراسة أخرى فكرة أن يأكل أحد أنواع العنكبوت (Rhomphaea sp) نوعًا آخر من العناكب داخل بيته ونسيجه، حيث يقوم باستخدام مصيدة من نسيج حريري على شكل مثلث لاصطياد العنكبوت صاحبة البيت، ثم يقوم بعد ذلك بقتلها وأكلها. فاذا ما أضفنا أن أنثى العنكبوت تقتل الذكر بعد الجماع في غالب الأحيان، أو أن الصغار يقتلون أمهم في بعض الحالات ثم التغذى عليها، فإنه بذلك تتأكد لنا فكرة أن البيت في هذه الحالة يكون سببًا لهلاك العناكب، بدلاً من أن يوفر لها الحماية. لقد وجد أيضًا أن العناكب تأكل أعدادًا كبيرة من الحشرات بشكل استثنائي؛ فقد تأخذ عنكبوت واحدة مئات الذباب الصغير جدًّا في يوم واحد، ويتم لف الفريسة الصالحة للأكل بخيوط الحرير، وغالبًا ما يمكن رؤية بقايا الفرائس المتحللة متصلة بنسيج البيت، لتجذب إليها الفرائس الأخرى ليتم اصطيادها, وهذا يعني أن هذا البيت المصيدة يكون سببًا في هلاك وموت الكثير من الحشرات والفرائس الأخرى أيضا. ان دراسة المثل القرآني الخاص ببيت العنكبوت، يؤدي إلى كراهية الشرك والمشركين، حيث قد تبين ما يحتويه هذا المثال القرآني العظيم من علم ومعرفة عميقة، فكما أن الأولياء يكونون سببًا في هلاك المشركين، فكذلك فإن بيت العنكبوت يكون سببًا في هلاك ساكنيه وكل مايقع فيه من حشرات وفرائس أخرى.
يقول الله تعالى: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ ( النور، 40). يقول الامام الطبرى فى تفسيره: " وهذا مثل آخر ضربه الله لأعمال الكفار، يقول تعالى ذكره: ومثل أعمال هؤلاء الكفار، في أنها عمِلت على خطأ وفساد وضلالة وحيرة من عمالها فيها، وعلى غير هدى، مثَلُ ظلمات في بحر لجِّيّ، ونسب البحر إلى اللجة وصفًا له بأنه عميق كثير الماء، ولجة البحر معظمه ( يَغْشَاهُ مَوْجٌ ) يقول: يغشى البحر موج ( مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ) يقول: من فوق الموج موج آخر يغشاه، ( مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ) يقول: من فوق الموج الثاني الذي يغشى الموج الأوّل سحاب". لقد أوضحت الدراسات الحديثة اشتداد الظلام في البحر العميق مع ازدياد عمق البحر حتى يسيطر الظلام الدامس الذي يبدأ من عمق (200متر) تقريباً، ويبدأ عند هذا العمق المنحدر الحراري الذي يفصل بين المياه السطحية الدافئة ومياه الأعماق الباردة، كما توجد فيه الأمواج الداخلية التي تغطي المياه الباردة في أعماق البحر، وتشتد الظلمة أكثر وأكثر في الأعماق السحيقة على عمق 1000متر تقريباً، ولكل عمق من هذه الأعماق كائنات بحرية محددة تعيش فيه، ونجد أن فى الأعماق المظلمة توجد أسماك وكائنات زودها الله بأعضاء مضيئة لترى في الظلام وتلتقط فريستها (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور). كما أوضحت الاكتشافات العلمية الحديثة، أن الأمواج الداخلية تغطي البحر العميق وتمثل حداً فاصلاً بين البحر العميق والبحر السطحي، كما يغطي الموج السطحي سطح البحر ويمثل حداً فاصلاً بين الماء والهواء ولم تكتشف الأمواج الداخلية إلا في عام 1904م. كما أكدت الدراسات الحديثة على وجود الأمواج الداخلية بالبحار العميقة، وهى تسير بسرعات بطيئة تقدر بحوالى 2.40 كم/ساعة، ولكن بارتفاعات كبيرة جدا فى المياه العميقة تصل الى حوالى 305م، وكمثال على ذلك الأمواج العميقة فى بحر "تاسمان" Tasman Sea. كل هذه الحقائق المبهرة أشارت اليها الآية الكريمة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، لتكون شاهدة على عظمة وسبق القرآن الكريم.
يقول الله سبحانه وتعالى: (وجعلنا سراجا وهاجا، وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا) ( النبأ، 13 ،14). ذكر الامام ابن كثير فى تفسيره مايلى: "... فالرياح تسمى معصرات ; يقال : أعصرت الريح تعصر إعصارا : إذا أثارت العجاج ، وهي الإعصار ، والسحب أيضا تسمى المعصرات لأنها تمطر . وقال قتادة أيضا : المعصرات السماء ، النحاس : هذه الأقوال صحاح ; يقال للرياح التي تأتي بالمطر معصرات ، والرياح تلقح السحاب ، فيكون المطر ، والمطر ينزل من الريح على هذا . ويجوز أن تكون الأقوال واحدة ، ويكون المعنى وأنزلنا من ذوات الرياح المعصرات ماء ثجاجا وأصح الأقوال أن المعصرات السحاب ، كذا المعروف أن الغيث منها....، ماء ثجاجا صبابا متتابعا". المَطَرُ هو شكل من أشكال قطرات الماء المتساقطة من السحاب في السماء، وأنواع الأمطار ثلاثة، منها نوع يسمى بالأمطار التصاعدية وهي التي تحدث بسبب تمدد الهواء الرطب القريب من سطح الأرض وصعوده الى أعلا، كما فى المناطق الاستوائية، حيث تشتد الحرارة بسبب الاشعاع الشمسى، وتتصاعد التيارات الهوائية إلى طبقات الجو العليا فتبرد ويتكاثف ما بها من بخار الماء فيسقط المطر. وتتوقف غزارة هذا المطر على عاملين هما: كمية بخار الماء التي يحملها الهواء ثم درجة حرارة الطبقات العليا التي تصعد إليها السحب، ويكثر هذا النوع من الأمطار في المناطق الاستوائية والمدارية حيث يسقط بصورة منتظمة في جميع فصول السنة، ويحدث التصاعد الهوائي أثناء النهار الحار ويتساقط المطر في المساء، والسحب المصاحبة لهذا النوع من المطر هي السحب الركامية، ويتصف المطر بالغزارة على هيئة وابل، أى ماء ثجاجا. ان من اعجاز الآية الكريمة أنها ربطت مابين السراج الوهاج وهى الشمس فى قوله: (وجعلنا سراجا وهاجا)، ومابين انزال المطر الغزير من المعصرات (وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا).
قال تعالى : وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) سورة النحل . فى الآية (68) ، نجد ترتيب إعجازى للقرآن الكريم فى إتخاذ مكان البيت لأنواع النحل المختلفة فى إتخاذ مكان البيت و هذه الخطوة مهمة جدا للنحل ، و للعجب فإن الأمر موجه الى الإناث ( إتخذى ) ، إن من يقوم بإتخاذ مكان البيت فعلا هن النحلات الكاشفات و ليس الذكور و هذا ما كشفه العلم الحديث ، وينحصر دور الذكور فقط في تلقيح ملكة النحل . تنحصر مهمة هؤلاء النحلات الكاشفات فى تخير المكان المثالى لإتخاذ البيت حيث يجب أن يكون قريبا من الزهور التى سوف يتم منها جمع حبوب اللقاح و الرحيق لإنتاج العسل ، ايضا يجب أن يكون بعيدا عن أشعة الشمس المباشرة ، حتى لا تؤثر اشعة الشمس الشديدة على النحل و على الشمع و العسل داخل بيت النحل، ايضا يجب أن يكون بعيدا عن اعداء النحل مثل بعض الحشرات المفترسة مثل الزنابير و بعض الحيوانات التى تأكل عسل النحل . أيضا يجب أن يكون بعيدا عن مسار الرياح الشديدة و التى يمكن أن تؤثر على قدرة النحل على الطيران و يمكن أن تجفف بيت النحل و تدمره . بعد ذلك يأتى الأمر الى النحلات بأن تتخذ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ, وحرف الجر "من " أفضل وأدق من حرف الجر " في" حمل معنى الجزئية والكيفية والمكانية, فحشرات النحل تستخدم الأجزاء المحيطة بالبيت كدعامات له، تقيها قسوة الظروف المناخية، وتبني عليه أقراص العسل، فمثلا فى حال الجبال ، أفاد لفظ "من الجبال" أن مكان البيت هو الجبال وجزءً من البيت مشتق من الجبال, وهو ما يفعله النحل فعلاً, لكن حرف الجر" من " يفيد المكانية فقط مكان البيت ، ايضا تفيد دلالة اللفظ القرآنى أن الأمر للنحل لا أن يتخذ من كل الجبال بيوتا بل من بعضها فقط لأنه ربما لا تصلح كل الجبال لبناء بيت النحل، و هناك نوع من النحل يسمى النحل العملاق والذى يبنى بيته فى الجبال العالية . الأمر للنحلات ايضا أن تتخذ من بعض الشجر بيوتا و ليس من كل أنواع الشجر لأن بعض أنواع الشجر لا يصلح لبناء بيت النحل فوقه . بعد ذلك يتوالى الأمر الإلهى للنحل فى إتخاذ مكان البيت من ( وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) وهو معنى يشمل الاسطوانات الطينية التى يستعملها الإنسان فى بناء بيت النحل و التي كانت معروفة في زمن نزول القران وحتى وقتنا القريب , بالإضافة للخلايا الخشبية الحديثة المختلفة في الشكل والمحتوى الداخلي من تجهيزات والتي ظهرت حديثاً بعد إكتشاف المسافة النحلية ( المسافة اللازمة للمرور النحل بين أقراص العسل) ، و ايضا أن يتخذ النحل من عروش مساكن الإنسان بيوتا . و من الدلائل الإعجازية للآية الثامنة و الستون الترتيب المعجز لإتخاذ مكان البيت و هذه الترتيب هو ترتيب خلق الأرض و الكائنات الحية ، حيث بدأ الترتيب بالجبال أولا و قد خلقها الله تعالى قبل الكائنات الحية كلها ، ثم يتوالى الترتيب فى ذكر الشجر و قد خلقه الله تعالى قبل خلق عالم الحيوان و الإنسان ، ثم تذكر الآية فى نهاية ترتيب إتخاذ مكان البيت ( و مما يعرشون ) أى ما يعرش الإنسان و قد خلقه الله تعالى بعد خلق الشجر و عالم الحيوان كله ، فأى ترتيب إعجازى هذا أنه الترتيب المنزل من لدن عليم خبير، فسبحان الذى خلق فسوى و الذى قدر فهدى .
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ سورة الأنعام، الآية 96. ذكر الامام ابن كثير فى تفسيره مايلى: " وقوله : ( فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا ( أي : خالق الضياء والظلام ، كما قال في أول السورة: ) وجعل الظلمات والنور ( فهو سبحانه يفلق ظلام الليل عن غرة الصباح فيضيء الوجود ، ويستنير الأفق ، ويضمحل الظلام ، ويذهب الليل بدآدئه وظلام رواقه ، ويجيء النهار بضيائه وإشراقه" لقد اكتشف العلماء أن العديد من الكائنات الحية ومن ضمنها البشر تمتلك ساعةً بيولوجية تساعدها على التنبؤ والتكيُّف مع الإيقاع والنَسَقِ المُنتظم لليوم. ان معظم الكائنات الحية تتكيف مع التغيُّرات في البيئة المحيطة بها، ففي القرن الثامن عشر، قام عالم الفلك "جان جاك أورتوس دي ميران" (Jean Jacques d’Ortous de Mairan) بدراسة نباتات الميموزا، واكتشف أن أوراقها تتفتح باتجاه الشمس خلال النهار وتغلق عند الغسق، وتسائل جان عما سيحدث إذا وُضِعَت النبتة في ظلامٍ دائم، واكتشف أنه بغضِّ النظر عن ضوء الشمس، استمرت أوراق النبتة في متابعة إيقاعها اليومي بالفتح والغلق، وهذا يدل على أن النباتات تمتلك الساعة البيولوجية الخاصة بها. وفى دراسات العصر الحديث باستخدام ذباب الفاكهة (fruit flies) كنموذج، قام بعض العلماء بعزلِ الجين الذي يتحكَّم في الإيقاع البيولوجي الطبيعي لهذا النوع من الذباب، وأظهر العلماء في نتائجهم أن هذا الجين هو المسؤول عن ترميز وإنتاج البروتين الذي يتراكم في الخلايا أثناء فترات الليل ويتحلَّل خلال النهار، ومن ثم قاموا بتحديدِ مكوناتٍ بروتينية إضافية تُشارك في هذه الآلية، وهو ما كشف لنا عن الآلية التي تحكُم عمل المؤقتات الذاتية بداخل الخلية. لقد تم اكتشاف أن الساعة البيولوجية تُسهم في تكيُّف أجسادنا مع مراحل اليوم المختلفة، وأن ساعتنا البيولوجية تساعد في تنظيم أنماط النوم، والسلوك الغذائي الخاص، ووقت إفراز للهرمونات، وضغط الدم، وحرارة الجسم. لم يكن أحد من البشر يستطيع أن يعرف أهمية تواجد دورات متعاقبة من الليل والنهار (الظلام والضياء)، وتأثير ذلك على وظائف الانسان الحيوية وافرازاته الهرمونية، بل ووجود ما يعرف اليوم بالساعة البيولوجية داخل الانسان، والتى تعمل على تكيف الانسان والكائنات الحية مع هذه الدورات اليومية، وهو ماأشارت اليه الآية الكريمة وذكرها النهار والاصباح وآيته الشمس ووصف الليل بأنه سكن وآيته القمر ، وهى دورات زمنية محددة ومتعاقبة ومقدرة ذلك تقدير العزيز العليم.
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ سورة التكوير، الآية 18. ذكر الامام الطبرى فى تفسيره مايلى: " قوله تعالى : والصبح إذا تنفس أي امتد حتى يصير نهارا واضحا ; يقال للنهار إذا زاد : تنفس ، وكذلك الموج إذا نضح الماء ، ومعنى التنفس: خروج النسيم من الجوف، وقيل : إذا تنفس أي انشق وانفلق ; ومنه تنفست القوس أي تصدعت". ان التنفس هو الحياة، وهى عملية فسيولوجية يحصل فيها الكائن الحى على الاكسجين ثم يخرج ثانى أكسيد الكربون، فهل الصبح يتنفس أيضا؟. لقد أوضحت الحقائق العلمية أن أعلى نسبة لغاز الأوزون (O3) فى الجو تكون عند الفجر وتقل تدريجيا لتضمحل عند طلوع الشمس، ولهذا الغاز فائدة كبيرة للجهاز العصبى للانسان، كما أن الأشعة فوق البنفسجية تكون أكبر مايمكن عند الشروق، وهى الأشعة التى تحرض الجلد على صناعة فيتامين (د). كما أنه خلال وقت الصبح تبدأ النباتات بعملية التمثيل الضوئى حيث تأخذ غاز ثانى أكسيد الكربون (الضار للانسان)، وتخرج بدلا منه غاز الأكسجين بدلا عنه وهو الغاز الذى بدونه تنتهى الحياة. وتنفس الصبح يعتبر تنفسا حقيقيا لامجازيا، حيث أنه بطلوع الصبح فان الاشعاع الشمسى يسخن سطح الأرض، وبالتالى طبقات الهواء الملامسة له فيسخن ويرتفع الى أعلى عن طريق تيارات الحمل، آخذا معه الهواء الدافئ الملوث نتيجة استقراه طول الليل، وهى عملية أشبه بعملية الزفير، فى حين أن الهواء البارد النقى يهبط من أعلى كى يتنفسه الصبح وباقى الكائنات الحية، فى عملية أشبه بالشهيق. فكما أن عملية التنفس الفسيولوجية لازمة لحياة الكائنات الحية على سطح الأرض، فان عملية تنفس الصبح للهواء البارد النقى الهابط من أعلى، واطلاق الهواء الساخن بما فيه من ملوثات وغاز ثانى أكسيد الكربون الى أعلا، هام جدا لاستمرار حياة هذه الكائنات. ان اشارة القرآن الكريم الى تنفس الصبح (والصبح اذا تنفس)، لهو سبق علمى رائع وذلك لثبوت أن الصبح وكأنه رئة حقيقية تتنفس الهواء البارد الهابط من أعلى وتطرد الهواء الدافئ الراكد الى أعلى، فى عملية تشبه عملية الشهيق والزفير فى التنفس الحقيقى. ألا يدل ذلك على أن القرآن الكريم هو وحى السماء، وأن الله سبحانه وتعالى الذى جعل الصبح يتنفس بقدرته وتدبيره، هو الذى أنزل القرآن الكريم ومافيه من آيات دالة على وحدانيته سبحانه وتعالى.