إن تحقيق التوازن الاجتماعي التزام يقع على الدولة المسلمة مهمة تنفيذه بصورة مستمرة. وحرى بنا أن نذكر إن الإسلام لا يقيم التوازن الاجتماعي بين أفراده المسلمين فقط بل يقيمه توازنا شاملاً لكل من يعيش في دياره فيشمل المسلم وغير المسلم.
إن الناظر بعين الانصاف والعدل في التشريعات الإلهية يجدها كلها في صالح البشرية وخدمتها، فالتكاليف التي كلف بها الإنسان سواء التكاليف اليومية كالصلاة، أم التكاليف السنوية كالحج ليست مرتبطة فقط بالجزاء الأخروي بل يتعلق بها نفع دنيوي.
النص المعجز: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(24﴾ سورة الحشر.
فاق الإسلام جميع التشريعات في اهتمامه وعنايته بالأسرة، ولا أدلّ على ذلك من الآيات التي خصّها بها؛ إذ حرص الشّارع الحكيم على تنظيم العلاقة بين أفراد الأسرة، سواءً على المستوى التشريعي أم السلوكي والأخلاقي، وفصّل في شأنها القرآن تفصيلا دقيقًا؛ ذلك أن حفظ الأسرة حفظ للدين والإنسان وتوجيه لمسار العمران ، فأول أسرة تأسست في الجنة، حيث خلق الله –تعالى- آدم وحواء من نفس واحدة وجعل أول مسكن أسري وبيت زوجي لهما (الجّنة).
من نعم الله التي لا تحصى ولا تعد الآيات الكونية من حولنا، سماء وأرضا؛ ولأهمية النظر في آيات الله الكونية جعلها الله من مفردات الرسالة الإلهية للخلق ابتداء من أبي الأنبياء إبراهيم -عليه السلام- إلى خاتم المرسلين سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ويوضح هذا ما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) الأنعام: 75). وما ورد من حقائق كونية على لسان خاتم المرسلين منها: قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا * وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ﴾ [الفرقان: 45 - 55]. كما أن المولى -جل جلاله- خاطب العالمين -خاصة من لم يحرك الإيمان قلوبهم- بأنه سيريهم آياته في الآفاق والأنفس، قال تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"(فصلت:53). وقد وصف الله المعتبرين الذين تحركهم آيات الله الكونية بالإيمان، واليقين، والعقل: (لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ- آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ - آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)، قال- سبحانه -:"إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ"(الجاثية:3-6). وهذه الآيات الكونية يجب ألا تمر علينا دون اعتبار وعظة واستفادة؛ لأن القرآن الكريم حذر من ذلك، قال تعالى:" وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ"(يوسف:105).
النص المعجز: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) سورة لقمان قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) سورة الكهفتفسير الآية: يقول ابن جرير الطبرى: يقول تعالى : لو كان البحر مدادا لكلمات الله ، والشجر كله أقلام ، لانكسرت الأقلام وفني ماء البحر ، وبقيت كلمات الله قائمة لا يفنيها شيء ; ولو جئنا بمثله مددا أي زيادة على البحر عددا أو وزنا . التوجيه العلمى: تشير التقييمات إلى أن أكثر من 99% من الأنواع - تصل إلى أكثر من خمسة مليارات نوع- عاشت على كوكب الأرض قد انقرضت ()؛ كما توضح أيضًا إلى أن عدد الأنواع الأرضية الحالية تتراوح من 10 إلى 14 مليونًا، منها حوالي 1.9 تم تعيين أسمائها، و1.6 مليون تم توثيقها في قاعدة البيانات المركزية حتى الآن ( ، ). هذا بخلاف الكائنات البحرية التى لم تعرف أو توثق ، وكذلك الميكروبات (وتشمل الفيروسات والبكتريا والفطريات ) ، والطحالب ، والطفيليات. وكل كائن حى يتكون من كلمات جينية هى التى تحدد تنوعه وصفاته. وعدد كبير من الكائنات الحية بما فيهم الإنسان ماتت منذ بداية وجود الحياة على الأرض منذ 4,6 مليار سنة ويعيش من البشر الآن 8 مليار حول العالم ، وكم من مولود يولد يوميا 5٬522 ، وسنويا 128٬122٬138 (). كلمات الله عز وجل منها الشرعية والمواعظ (الشرائع ، والكتب السماوية ) والدلالية على وحدانيته والتكوينية (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (82) سورة يس ، والكلام هنا عن الكلمات التكوينية خصوصا للكائنات الحية. وكل كائن حى يتكون من أجهزة وأنسجة وأعضاء تختلف من نوع إلى نوع . وهذه الأنسجة والأعضاء تتكون من بروتينات ، والبروتينات تتكون من أحماض أمينية ، والأحماض الأمينية هى ترجمة للشفرات الوراثية ، والشفرة الوراثية هى عبارة عن ثلاث قواعد نيتروجينية . وبأى كائن حى أربعة قواعد نيتروجينية ، ويعد الترتيب المحدد لهذه القواعد A وT وC وG في غاية الأهمية، فهذا الترتيب يحدد جميع أوجه التنوع الحيوي. ففي هذا الترتيب
أعطتنا إحدى آيات القرآن الكريم المفهوم الشامل والكامل للبيئة، فإذا تأملنا الآية السادسة من سورة طه حيث يقول سبحانه وتعالى: ( له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى) (طه:6)، فإننا نجد أن هذه الآية الكريمة أفادت من ضمن ما تعنى شمولية المعنى والحصر لمكونات أي بيئة. حيث "السماوات" وما فيها من أشياء وموجودات لا يحيط بعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ثم "الأرض" وما فيها من عناصر يمكن إيجازها فيما يلي: *العنصر الأول: طبيعة سطح الأرض وتشمل الجبال والأودية والأنهار والغابات والبحيرات والتلال والصحارى ومجارى السيول، وغير ذلك من عناصر الطبيعة والتي تكون مع العامل المناخي البيئة الطبيعية. *العنصر الثاني: الإنسان والحيوان والنبات وكل الكائنات الحية الأخرى. *العنصر الثالث: البيئة العمرانية وهي من صنع الإنسان وتشمل مواقع العمران بما فيها من مباني وطرق وغير ذلك من المكونات العمرانية. أما (و ما بينهما) أي ما بين السماوات والأرض فنستدل منها على المؤثرات الطبيعية والجغرافية والمناخية والتي تشمل الشمس والهواء والرياح والرطوبة النسبية والسحاب ودرجة الحرارة والأمطار…وغير ذلك من عناصر المناخ. ونستدل من (وما تحت الثرى) على المكونات الموجودة في باطن الأرض سوآء كانت مكونات جيولوجية أو خامات معدنية وثروات طبيعية يمكن استخراجها واستثمارها اقتصاديا أو مياه جوفية يمكن استخراجها لأغراض الزراعة والاستيطان، لقد حصرت الآية الكريمة السابقة مكونات وعناصر البيئة بدقة وشمولية كاملة. * ( عن بحث: حازم ابراهيم (1985). الخواطر القرآنية و شمولية الحصر، مجلة عالم البناء: عدد يوليو-أغسطس، ص26-27، القاهرة.).
الآيات القرآنية ذات الإشارات العلمية في القرآن الكريم لا حصر لها، وهذه الإشارات -التي تلفت النظر إلى الحقائق الكونية في السماء والأرض -جاءت منسجمة مع المهمة الأساسية للقرآن الكريم وهي إخراج الإنسان من الظلمات إلى النور، ومعرفة أنه -سبحانه- الحق الذي يستحق العبودية.كما أن هذه الإشارات الهدف منها إبراز حكمة الله تعالى في مخلوقاته، وبيان قدرته -سبحانه- على الإبداع والتدبير...وقد حصر بعض العلماء مجموع الآيات القرآنية ذات الإشارات العلمية (صريحة أو ضمنية) فوجدوها:(1322) آية. أيْ ما يعادل 20% (تقريبا) من المجموع الكلي لآيات القرآن (وهي: 6236 آية).
آيات الكون المنظور ترجمة حقيقية لما جاء في كتاب المسطور –القرآن الكريم- ،وهي تعد رسولا مبلغا لرسالة الله تعالى للعالمين ،فمن لم تستطع قدرته تحصيل كل ما في الكتاب المسطور أو عجز عن قراءة كلماته فإنه لدية قدرة لتحصيل ما في كون الله المنظور، فالآيات مشاهدة (آيات الأنفس والآفاق) ليل نهار ومعك في كل لحظات حياتك أينما وجهت وجهك فثم آيات الله الكونية؛ في السماء والأرض، في البحار والأنهار ، في الجبال والصخور ،في سبع سموات وفي سبع أرضين، كل هذه الآيات تنطق بقدرة ودقة الصانع .وإن عجزت أن تصل إلى آيات الآفاق- وهذا مستحيل- فلن تعدم وصولا لآيات الأنفس بصرا وبصيرة: "وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ "(الذاريات:21). أي: وفي أنفسكم أيها الناس آيات وعِبر تدلكم على وحدانية صانعكم، وأنه لا إله لكم سواه، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم ( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) يقول: أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم(). كل هذه الآيات المبثوثة في آيات الآفاق والأنفس دلائل دامغة على أن للكون خالقا قديرا بديع السموات والأرض، وهذه الآيات تتطلب إعمال العقل تماما كما يطلب منا القرآن الكريم إعمال العقل بالتدبر في آيات الكتاب المسطور فكلاهما من منبع ومورد واحد من عند الله ، فالقسم الأول من الآيات(الكتاب المسطور) هو وحى الله ، والقسم الثاني منها ( الكتاب المنظور آيات الأنفس والآفاق) هو خلق الله ، فالمصدر، إذن، واحد... وقد لفت القرآن الكريم الأنظار والعقول إلى التأمل في آيات الكون والمنظومة الكونية في آيات كثيرة ؛ لأنها سبيل للوصول إلى الحقائق والتي من أعظمها وأصدقها أنه –سبحانه- الحق، الحق في توحيده وأنه الخالق والمستحق وحده للعبودية قال تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت:53).
القرآن الكريم جاء بهدايات تامة كاملة تفي بحاجات البشر في كل عصر ومصر وفاء لا تظفر به في أي تشريع ولا في أي دين آخر, ويتجلى لك هذا إذا استعرضت المقاصد النبيلة التي رمى إليها القرآن في هدايته ,والتي نعرض عليك من تفاصيلها ما يأتي: أولا: إصلاح العقائد والعبادات والأخلاق :عن طريق إرشاد الخلق إلى حقائق المبدأ والمعاد وما بينهما تحت عنوان الإيمان بالله- تعالى- وملائكته ورسله واليوم الآخر...وإرشادهم إلى ما يزكي النفوس ,ويغذي الأرواح, ويقوم الإرادة ,ويفيد الفرد والمجموع منها. والدعوة إلى محاسن الأخلاق, والتنفير من رذائلها دون إفراط أو تفريط. ثانيا: إصلاح الاجتماع عن طريق إرشاد الخلق إلى توحيد صفوفهم ومحو العصبيات وإزالة الفوارق التي تباعد بينهم, وذلك بإشعارهم أنهم جنس واحد من نفس واحدة ومن عائلة واحدة, أبوهم آدم وأمهم حواء, وأنه لا فضل لشعب على شعب ولا لأحد على أحد إلا بالتقوى, وأنهم متساوون أمام الله ودينه وتشريعه, متكافئون في الحقوق والتبعات من غير استثناءات ولا امتيازات ,وأن الإسلام عقد إخاء بينهم أقوى من إخاء النسب والعصب, وأن لسانهم العام هو لسان هذا الدين ولسان كتابه لغة العرب ,وأنهم أمة واحدة يؤلف بينها المبدأ,ولا تفرقها الحدود الإقليمية ولا الفواصل السياسية والوضعية :﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾(المؤمنو:52). ثالثا: إصلاح السياسة أو الحكم عن طريق تقرير العدل المطلق والمساواة بين الناس, ومراعاة الفضائل في الأحكام والمعاملات , والوفاء بالعهود ,والرحمة, والمواساة, والمحبة... واجتناب الرذائل من الظلم, والغدر, ونقض العهود, والكذب, والخيانة والغش, وأكل أموال الناس بالباطل كالرشوة ,والربا, والتجارة بالدين, والخرافات... كما اهتم الإسلام بالإصلاح الحربي عن طريق تهذيب الحرب ووضعها على قواعد سليمة لخير الإنسانية في مبدئها وغايتها ووجوب التزام الرحمة فيها والوفاء بمعاهداتها وإيثار السلم عليها . رابعا: الإصلاح المالي عن طريق الدعوة إلى الاقتصاد ,وحماية المال من التلف والضياع, ووجوب إنفاقه في وجوه البر, وأداء الحقوق الخاصة والعامة والسعي المشروع وتنمية المال. خامسا: الإصلاح النسائي عن طريق: حماية المرأة ,واحترامها, وإعطائها جميع الحقوق الإنسانية ,والدينية ,والمدنية. سادسا: محاربة الاسترقاق وتحرير الرقيق الموجود بطرق شتى منها :الترغيب العظيم في تحرير الرقاب: وجعله كفارة للقتل, وللظهار ,ولإفساد الصيام بطريقة فاحشة, ولليمين الحانثة, ولإيذاء المملوك باللطم أو الضرب. سابعا: تحرير العقول والأفكار ومنع الإكراه والاضطهاد : ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ ( الغاشية:21-22).
الشرعية الإسلامية من حيث الثبات والمرونة نوعان: نوع ثابت لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ، ولا اجتهاد الأئمة، ويدخل في هذا النوع ما كانت دلالته على معناه دلالة قطعية, ومن أمثلة هذه الثوابت: العقائد والحقائق الإيمانية والأخبار الغيبية: فهي ثوابت غير قابلة للتغيير ولا للتطوير؛ لأنها تقوم على خصائص يقينية ثابتة :﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى:13).الأصول والكليات والمقاصد العامة للشريعة: ,فهذه ثابتة لا يطرأ عليها تعديل ولا تبديل، إذ لا يعقل أن يكون مقصود الشرع المحافظة على النفوس والأعراض والعقول والأموال في وقت ما، ثم يتحول قصد الشارع إلى إهدار هذه الأشياء في وقت آخر.القيم والفضائل العامة:فالصدق والصبر والأمانة والإحسان إلى الناس ... وغير ذلك فضائل لا يعقل أن تصبح في وقت من الأوقات رذائل.العبادات الشعائرية: كالصلاة والزكاة والصيام والحج..أحكام المقدرات: كتقدير الأنصبة في الزكاة، ونصيب الورثة بنصف أو ربع أو ثلث أو غير ذلك، فهذه المقادير غير قابلة للتطوير والتغيير بحجة رعاية المصالح أو غير ذلك من الحجج. والنوع الثاني متغير مرن: يتغير بحسب اقتضاء المصلحة زماناً ومكاناً وحالاً، وهذا النوع - وهو المتغير- المجال واسع للاجتهاد فيه، وهذا الاجتهاد يكون في دائرتين: أولا: ما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة، وهو ما يطلق عليه بعض الفقهاء "العفو" لقول النبي ﷺ: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو, فاقبلوا من الله عافيته, فإن الله لم يكن لينسى شيئا, وقرأ "وما كان ربك نسيا".(). ثانيا: النصوص المتشابهة ظنية الدلالة التي تحتمل أكثر من تأويل سائغ وأكثر من فهم، وجل الأحكام الشرعية ظنية الدلالة ؛ وذلك لفتح باب الاجتهاد للعلماء؛ كي يجتهدوا في مسائل المستجدات والنوازل... وخلاصة القول: أن المرونة خصيصة ثابتة من خصائص الشريعة، ولكنها تعمل في المتغيرات «الوسائل، والأساليب، والفروع، والجزئيات» وتتخذ من الثوابت قاعدة ومرتكزات .
لم يكن دور التشريع الإسلامي مقصورا على الحفاظ على البيئة وقائيا فقط بمنع كل ما يؤدي إلى الفساد البيئي بل يوجه إلى حمايتها بطريقة أخرى أكثر فعالية وهي طريقة التثمير والتنمية والإعمار والتنمية المستدامة عن طريق: التأكيد على دور الإنسان في خلافة الأرض وعمارتها : ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (البقرة: 30) .وهذا الاستخلاف يقتضي إعمار الكون والاستمرار في العمل والإنتاج حتى آخر رمق، حتى لو كان الإنسان متيقنا من عدم جني ثمار عمله قال ﷺ: "إِن قامت الساعة وبِيد أَحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"().الضرب في مناكب الأرض: قال تعالى:" هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"(الملك:15). فقد جعل الله –سبحانه- الضرب في الأرض لونا من ألوان الجهاد، وقرن بين جهاد السعي وجهاد النفس فقال : ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ (المزمل:20).الاهتمام بالاقتصاد الأخضر ومحاربة التصحر : حيث أمر الإسلام بإحياء الموات وتعمير الأرض وإحيائها واستصلاحها وتشجيرها حتى لا تظل جرداء قاحلة، وحث على المزارعة حتى لا تظل الأرض بورا لا ينتفع بها أحد .كما جعلت الشريعة الإسلامية زرع الزروع وغرس الأشجار بابا عظيما من أبواب الأجر لا ينقطع ،قال : " ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير منه فهو له صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة "() . نهى ﷺ عن كل فعل يؤثر في جمال البيئة وخيراتها: قال ﷺ: " ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرَةٍ وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلًا ولا تَهْدِمُوا بَيْتًا"().جعل تعطيل الأرض عن دورها الإنمائي سببا في نزع ملكيتها من صاحبها : قال ﷺ :" من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه "() وحينما يعتبر إنماء البيئة النباتية سببا لملكية الأرض فإن ذلك يكون دافعاً قويا لتحقيق هذا الإنماء لفطرية ما في النفوس من حب التملك عامة وتملك الأرض بصفة خاصة .