كان التدرج في التشريع أحد خصائص الشريعة الغراء؛ لمراعاة واقع الحياة، وطبيعة النفوس، وما ألفته من عادات وقيم ومبادئ وأحكام، وأخذًا بمبدأ التدرج في التربية ، ولأخذ الناس من السهل إلى الصعب، ومن الخفيف إلى الأشد، وغير ذلك من حِكم التدرج.
حينما نتدبر ختم الآيتين (وأنا ربكم فاعبدون) و(وأنا ربكم فاتقون) يتجلى لنا أن المعنى في سورة الأنبياء أعم، والمعنى في سورة (المؤمنون) أخص، وأن الذكر الحكيم قد أتى بالأعم أولا، ثم أتى بالأخص ثانياً، والعبادة "غاية التذلل ولايستحقها إلا من له غاية الامتثال وهو الله تعالى "والتقوى" حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور.
الذي يتابع رحلة المعنى في السور الخمس يبصر الترتيب التنازلي في التحدي، وكلما كان القدر المتحدى به أقل كلما كان أظهر لعجز المتحدى، فالمتحدى به في سورة البقرة (فائتوا بسورة من مثله) التحدي: أن يأتوا بسورة تشبه سورة شبيهة، فإذا ثبت العجز عن شبيه الشبيه كان عجزهم عن الإتيان بالشبيه أولى، ومطلع الآية (وإن كنتم في ريب) أي أدنى ريب يذهبه الحد الأدنى من التحدي، وهو ناظر إلى مطلع السورة الكريمة (ذلك الكتاب لاريب) والريب ـ
ورد تصوير سرعة وقوع الساعة بالتشبيه في هذين الموضعين من كتاب الله، وبالنظر في التشبيهين (وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب) و (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) يتبين أن الفرق الظاهر بينهما خلو الباء من تشبيه النحل (كلمح البصر) ووجودها في تشبيه القمر (كلمح بالبصر) وجود العطف بأو في سورة النحل (أو هو أقرب) وعدم وجود ذلك في سورة القمر.
إعجاز الترتيب التصاعدي في الحديث عن هيئة خروج الناس من القبور عند البعث.
وصف القرآن الكريم في موضعين منه صورة عاد قوم هود عند إهلاكهم، وجاء ترتيب هذا المعنى ترتيبا تصاعديا.
أما تشبيه العنكبوت فمقصوده تصوير عجز الأصنام عن الدفع، وحماية أنفسها، وحماية عابديها، وهو أشد العجز ، وقال العلامة ابن عاشور: "ولما بينت لهم الأشياء والأمثال من الأمم التى اتخذت الأصنام من دون الله فما أغنت عنهم أصنامهم لما جاءهم عذاب الله أعقب ذلك بضرب المثل لحال جميع أولئك وحال من ماثلهم من مشركى قريش فى اتخاذهم ما يحسبونه دافعا عنهم وهو أضعف من أن يدفع عن نفسه بحال العنكبوت تتخذ لنفسها بيتا تحسب أنها تعتصم به من المعتدى عليها فإذا هو لا يصمد".
إعجاز الترتيب التصاعدي في معنى حسرة الكافرين على ضياع أعمالهم في الآخرة.