الآيات القرآنية ذات الإشارات العلمية في القرآن الكريم لا حصر لها، وهذه الإشارات -التي تلفت النظر إلى الحقائق الكونية في السماء والأرض -جاءت منسجمة مع المهمة الأساسية للقرآن الكريم وهي إخراج الإنسان من الظلمات إلى النور، ومعرفة أنه -سبحانه- الحق الذي يستحق العبودية.كما أن هذه الإشارات الهدف منها إبراز حكمة الله تعالى في مخلوقاته، وبيان قدرته -سبحانه- على الإبداع والتدبير...وقد حصر بعض العلماء مجموع الآيات القرآنية ذات الإشارات العلمية (صريحة أو ضمنية) فوجدوها:(1322) آية. أيْ ما يعادل 20% (تقريبا) من المجموع الكلي لآيات القرآن (وهي: 6236 آية).
آيات الكون المنظور ترجمة حقيقية لما جاء في كتاب المسطور –القرآن الكريم- ،وهي تعد رسولا مبلغا لرسالة الله تعالى للعالمين ،فمن لم تستطع قدرته تحصيل كل ما في الكتاب المسطور أو عجز عن قراءة كلماته فإنه لدية قدرة لتحصيل ما في كون الله المنظور، فالآيات مشاهدة (آيات الأنفس والآفاق) ليل نهار ومعك في كل لحظات حياتك أينما وجهت وجهك فثم آيات الله الكونية؛ في السماء والأرض، في البحار والأنهار ، في الجبال والصخور ،في سبع سموات وفي سبع أرضين، كل هذه الآيات تنطق بقدرة ودقة الصانع .وإن عجزت أن تصل إلى آيات الآفاق- وهذا مستحيل- فلن تعدم وصولا لآيات الأنفس بصرا وبصيرة: "وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ "(الذاريات:21). أي: وفي أنفسكم أيها الناس آيات وعِبر تدلكم على وحدانية صانعكم، وأنه لا إله لكم سواه، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إياكم ( أَفَلا تُبْصِرُونَ ) يقول: أفلا تنظرون في ذلك فتتفكروا فيه، فتعلموا حقيقة وحدانية خالقكم(). كل هذه الآيات المبثوثة في آيات الآفاق والأنفس دلائل دامغة على أن للكون خالقا قديرا بديع السموات والأرض، وهذه الآيات تتطلب إعمال العقل تماما كما يطلب منا القرآن الكريم إعمال العقل بالتدبر في آيات الكتاب المسطور فكلاهما من منبع ومورد واحد من عند الله ، فالقسم الأول من الآيات(الكتاب المسطور) هو وحى الله ، والقسم الثاني منها ( الكتاب المنظور آيات الأنفس والآفاق) هو خلق الله ، فالمصدر، إذن، واحد... وقد لفت القرآن الكريم الأنظار والعقول إلى التأمل في آيات الكون والمنظومة الكونية في آيات كثيرة ؛ لأنها سبيل للوصول إلى الحقائق والتي من أعظمها وأصدقها أنه –سبحانه- الحق، الحق في توحيده وأنه الخالق والمستحق وحده للعبودية قال تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (فصلت:53).
القرآن الكريم جاء بهدايات تامة كاملة تفي بحاجات البشر في كل عصر ومصر وفاء لا تظفر به في أي تشريع ولا في أي دين آخر, ويتجلى لك هذا إذا استعرضت المقاصد النبيلة التي رمى إليها القرآن في هدايته ,والتي نعرض عليك من تفاصيلها ما يأتي: أولا: إصلاح العقائد والعبادات والأخلاق :عن طريق إرشاد الخلق إلى حقائق المبدأ والمعاد وما بينهما تحت عنوان الإيمان بالله- تعالى- وملائكته ورسله واليوم الآخر...وإرشادهم إلى ما يزكي النفوس ,ويغذي الأرواح, ويقوم الإرادة ,ويفيد الفرد والمجموع منها. والدعوة إلى محاسن الأخلاق, والتنفير من رذائلها دون إفراط أو تفريط. ثانيا: إصلاح الاجتماع عن طريق إرشاد الخلق إلى توحيد صفوفهم ومحو العصبيات وإزالة الفوارق التي تباعد بينهم, وذلك بإشعارهم أنهم جنس واحد من نفس واحدة ومن عائلة واحدة, أبوهم آدم وأمهم حواء, وأنه لا فضل لشعب على شعب ولا لأحد على أحد إلا بالتقوى, وأنهم متساوون أمام الله ودينه وتشريعه, متكافئون في الحقوق والتبعات من غير استثناءات ولا امتيازات ,وأن الإسلام عقد إخاء بينهم أقوى من إخاء النسب والعصب, وأن لسانهم العام هو لسان هذا الدين ولسان كتابه لغة العرب ,وأنهم أمة واحدة يؤلف بينها المبدأ,ولا تفرقها الحدود الإقليمية ولا الفواصل السياسية والوضعية :﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾(المؤمنو:52). ثالثا: إصلاح السياسة أو الحكم عن طريق تقرير العدل المطلق والمساواة بين الناس, ومراعاة الفضائل في الأحكام والمعاملات , والوفاء بالعهود ,والرحمة, والمواساة, والمحبة... واجتناب الرذائل من الظلم, والغدر, ونقض العهود, والكذب, والخيانة والغش, وأكل أموال الناس بالباطل كالرشوة ,والربا, والتجارة بالدين, والخرافات... كما اهتم الإسلام بالإصلاح الحربي عن طريق تهذيب الحرب ووضعها على قواعد سليمة لخير الإنسانية في مبدئها وغايتها ووجوب التزام الرحمة فيها والوفاء بمعاهداتها وإيثار السلم عليها . رابعا: الإصلاح المالي عن طريق الدعوة إلى الاقتصاد ,وحماية المال من التلف والضياع, ووجوب إنفاقه في وجوه البر, وأداء الحقوق الخاصة والعامة والسعي المشروع وتنمية المال. خامسا: الإصلاح النسائي عن طريق: حماية المرأة ,واحترامها, وإعطائها جميع الحقوق الإنسانية ,والدينية ,والمدنية. سادسا: محاربة الاسترقاق وتحرير الرقيق الموجود بطرق شتى منها :الترغيب العظيم في تحرير الرقاب: وجعله كفارة للقتل, وللظهار ,ولإفساد الصيام بطريقة فاحشة, ولليمين الحانثة, ولإيذاء المملوك باللطم أو الضرب. سابعا: تحرير العقول والأفكار ومنع الإكراه والاضطهاد : ﴿ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ ( الغاشية:21-22).
الشرعية الإسلامية من حيث الثبات والمرونة نوعان: نوع ثابت لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها ، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ، ولا اجتهاد الأئمة، ويدخل في هذا النوع ما كانت دلالته على معناه دلالة قطعية, ومن أمثلة هذه الثوابت: العقائد والحقائق الإيمانية والأخبار الغيبية: فهي ثوابت غير قابلة للتغيير ولا للتطوير؛ لأنها تقوم على خصائص يقينية ثابتة :﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (الشورى:13).الأصول والكليات والمقاصد العامة للشريعة: ,فهذه ثابتة لا يطرأ عليها تعديل ولا تبديل، إذ لا يعقل أن يكون مقصود الشرع المحافظة على النفوس والأعراض والعقول والأموال في وقت ما، ثم يتحول قصد الشارع إلى إهدار هذه الأشياء في وقت آخر.القيم والفضائل العامة:فالصدق والصبر والأمانة والإحسان إلى الناس ... وغير ذلك فضائل لا يعقل أن تصبح في وقت من الأوقات رذائل.العبادات الشعائرية: كالصلاة والزكاة والصيام والحج..أحكام المقدرات: كتقدير الأنصبة في الزكاة، ونصيب الورثة بنصف أو ربع أو ثلث أو غير ذلك، فهذه المقادير غير قابلة للتطوير والتغيير بحجة رعاية المصالح أو غير ذلك من الحجج. والنوع الثاني متغير مرن: يتغير بحسب اقتضاء المصلحة زماناً ومكاناً وحالاً، وهذا النوع - وهو المتغير- المجال واسع للاجتهاد فيه، وهذا الاجتهاد يكون في دائرتين: أولا: ما لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة، وهو ما يطلق عليه بعض الفقهاء "العفو" لقول النبي ﷺ: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو, فاقبلوا من الله عافيته, فإن الله لم يكن لينسى شيئا, وقرأ "وما كان ربك نسيا".(). ثانيا: النصوص المتشابهة ظنية الدلالة التي تحتمل أكثر من تأويل سائغ وأكثر من فهم، وجل الأحكام الشرعية ظنية الدلالة ؛ وذلك لفتح باب الاجتهاد للعلماء؛ كي يجتهدوا في مسائل المستجدات والنوازل... وخلاصة القول: أن المرونة خصيصة ثابتة من خصائص الشريعة، ولكنها تعمل في المتغيرات «الوسائل، والأساليب، والفروع، والجزئيات» وتتخذ من الثوابت قاعدة ومرتكزات .
لم يكن دور التشريع الإسلامي مقصورا على الحفاظ على البيئة وقائيا فقط بمنع كل ما يؤدي إلى الفساد البيئي بل يوجه إلى حمايتها بطريقة أخرى أكثر فعالية وهي طريقة التثمير والتنمية والإعمار والتنمية المستدامة عن طريق: التأكيد على دور الإنسان في خلافة الأرض وعمارتها : ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ (البقرة: 30) .وهذا الاستخلاف يقتضي إعمار الكون والاستمرار في العمل والإنتاج حتى آخر رمق، حتى لو كان الإنسان متيقنا من عدم جني ثمار عمله قال ﷺ: "إِن قامت الساعة وبِيد أَحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل"().الضرب في مناكب الأرض: قال تعالى:" هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"(الملك:15). فقد جعل الله –سبحانه- الضرب في الأرض لونا من ألوان الجهاد، وقرن بين جهاد السعي وجهاد النفس فقال : ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ (المزمل:20).الاهتمام بالاقتصاد الأخضر ومحاربة التصحر : حيث أمر الإسلام بإحياء الموات وتعمير الأرض وإحيائها واستصلاحها وتشجيرها حتى لا تظل جرداء قاحلة، وحث على المزارعة حتى لا تظل الأرض بورا لا ينتفع بها أحد .كما جعلت الشريعة الإسلامية زرع الزروع وغرس الأشجار بابا عظيما من أبواب الأجر لا ينقطع ،قال : " ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة ، وما سرق منه له صدقة ، وما أكل السبع منه فهو له صدقة، وما أكلت الطير منه فهو له صدقة ، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة "() . نهى ﷺ عن كل فعل يؤثر في جمال البيئة وخيراتها: قال ﷺ: " ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرَةٍ وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلًا ولا تَهْدِمُوا بَيْتًا"().جعل تعطيل الأرض عن دورها الإنمائي سببا في نزع ملكيتها من صاحبها : قال ﷺ :" من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه "() وحينما يعتبر إنماء البيئة النباتية سببا لملكية الأرض فإن ذلك يكون دافعاً قويا لتحقيق هذا الإنماء لفطرية ما في النفوس من حب التملك عامة وتملك الأرض بصفة خاصة .
قال تعالي : "۞وَٱلۡوَٰلِدَٰتُ يُرۡضِعۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ حَوۡلَيۡنِ كَامِلَيۡنِۖ لِمَنۡ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفۡسٌ إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةُۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوۡلُودٞ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦۚ وَعَلَى ٱلۡوَارِثِ مِثۡلُ ذَٰلِكَۗ فَإِنۡ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٖ مِّنۡهُمَا وَتَشَاوُرٖ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَاۗ وَإِنۡ أَرَدتُّمۡ أَن تَسۡتَرۡضِعُوٓاْ أَوۡلَٰدَكُمۡ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِذَا سَلَّمۡتُم مَّآ ءَاتَيۡتُم بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ"
المعارضة معناها الإتيان بمثل القرآن أو بمثل سورة منه، وقد تحدى القرآن العرب، وتدرّج في التحدّي بدءا بتحديهم أن يأتوا بالقرآن (فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين)(الطورا/34) وقال أيضا: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)(البقرة/23) بل إن القرآن زاد من استفزازهم، وهم أهل عناد ولدد في الخصومة، حينما قال : (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (الإسراء/88) ولأن العرب كانوا أهل إنصاف في البيان، ترك الله لهم اختيار من يشهد أنهم أتوا بمثله (وادعوا شهداءكم من دون الله) ولكن العرب عجزوا عن كل هذا ، واختاروا الحروب وإراقة الدماء والحروب، على الإتيان بمثل سورة من القرآن، ولو كانوا يقدرون على الإتيان بسورة من مثل سورة إن أعطيناك الكوثر ، أو قل هو الله أحد ، لقالوا يامحمد هذه المعجزة التي تحديتنا بها أتينا بمثلها، ووقتها تسقط دعوة الإسلام، لأن كتاب الله هو الحجة الباقية الدائمة، وليس كالمعجزات الحسية، التي يكون أثرها لمن حضرها، ولم يثبت تاريخيا أي معارضة حصلت للقرآن الكريم ، ومانسب إلى مسيلمة الكذاب كلام فارغ لايقوله عاقل لأنه لامعنى له إذ نسب إليه أنه قال ـ معارضا ـ إنا أعطيناك الجماهر فصل لربك وجاهر، أو والزراعات زرعا فالحاصدات حصدا فالطاحنات طحنا فالعاجنات عجنا فالخابزات خبزا ,,, وهذا كلام أجوف لامعنى له وأنى لهذا من سورة الكوثر والفيل والنازعات، وقد ثبت عجز العرب عن معارضة القرآن، وكل ماقيل من معارضة القرآن كان شائعة فقد نسب لأبي العلاء المعري أنه عارض القرآن الكريم وأنه صنع كتابا سماه (الفصول والغايات) ولما انتشرت الطباعة، وطبع الكتاب عنوان الفصول والغايات في تمجيد آلاء الله وذكره، وكله في الثناء على الله وحمده، وذكر آلائه، فقد تبين باليقين أنه لم يكن هناك معارضة للقرآن، ولقد أعلنها صنديد من صناديد الكفر ذلك حينما قال عند سماع القرآن : إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر ، وإنه يعلو وما يعلى عليه، وماهو بقول بشر، وهؤلاء الذين عجزوا عن المعارضة، هم أفضل الأجيال العربية قوة في البيان، إذ لايتحدى الله ضعفاء، فهم أقوى العرب قاطبة.
توافر العينية والنقدية في الزكاة بحيث تستوعب, وترشد كل التصرفات الممكنة من المستفيدين, وتؤسس لكل السياسات المحتملة للمساعدات الاجتماعية، ومن هنا يكون تشريع الزكاة الذي يجمع بين العينية والنقدية معجزاً ؛لأنه يستوعب كل الاحتياجات تحت أي تطور يمر به الإنسان، وتمر به المجتمعات. وإعطاء مساعدات في صورة عينية له تطبيقاته في المجتمعات المعاصرة، سواء المجتمعات التي تصنف على أنها متقدمة أم المجتمعات التي تصنف على أنها نامية. هذا واقع قائم لا يمكن إنكاره. وليست مساعدات على مستوى الأفراد بل-أيضاً- مساعدات على مستوى جهاز الدولة, ومساعدات بين الدول، وهذا الأمر الأخير معروف. يعنى ذلك أن المجتمعات المعاصرة التي اصطبغت بصبغة نقدية رأت في العينية -في مجال المساعدات الاجتماعية- كفاءة وملاءمة لم تجدهما في النقدية.
من خلال تحليل فرض الزكاة على الثروات والدخول يتبين الآتي: 1- تفرض الزكاة على الثروات المكتنزة، فالزكاة تفرض على عين هذه الثروة, وتؤدى منها، وهذا يعنى أن هذه الثروة المعطلة تتآكل ؛لأنها لم تكن في خدمة مالكها ولم تؤد وظيفة إيجابية لمجتمعها بحيث تسهم في تقدمه وسد احتياجاته. 2- الثروات التي تحولت إلى أصول رأسمالية منتجة لا تفرض الزكاة على عينها, وإنما تفرض على الدخل الذي يتولد منها، والأمر على هذا النحو فيه حفظ للثروات التي أصبحت أصولاً منتجة وعلى هذا أصبحت في خدمة صاحبها وخدمة مجتمعها، وهذا الأمر في أعلا درجات الكفاءة الاقتصادية؛ لأنه يحافظ على الأصول المنتجة في المجتمع فلا يجبر صاحبها على بيعها؛ ليؤدي الزكاة المفروضة عليها. 3- دخل الفرد يتوزع على الاستهلاك وعلى الادخار، هذه هي الحالة العادية، والتصرف الصحيح هو أن تتحول الادخارات إلى استثمارات، وهذا ما يرتبط به الاقتصاديون، وهو تحويل الادخارات إلى استثمارات يؤمن الهدفين اللذين يقوم عليهما الاقتصاد وهماك تقدم المجتمع, واستقراره، ففرض الزكاة على الثروة المكتنزة يعنى أنها تفرض على الادخارات (دخل تحول إلى ثروة) التي لم توجه إلى الاستثمار، والزكاة من هذا الجانب تحقق مطالب المجتمع على الادخارات من حيث دفعها إلى الاستثمار وما يتضمنه ذلك من كفاءة اقتصادية. ولا شك أن مصلحة الفرد صاحب الادخارات تتحقق بطريقة مباشرة له, وكذلك من حيث تحقيق مصلحة المجتمع.
القرآن الكريم معجز في تقسيمه إلى سور، وهذه السور ترتيب آياتها بتوقيف من الله ـ عز وجل ـ ولم يكن باجتهاد من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وكل سورة لها هدف واحد تسعى تراكيبها إلى إليه، وكل سورة بنيت بناء بلاغيا مشيدا يستعصي على التقديم والتأخير أوالتغيير والتبديل، لذلك كان تحدي العرب بالسورة لا بالآية، قال تعالى ـ (أم يقولون افتراه قل فائتوا بسورة مثله، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) (يونس/38) وقال أيضا (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)(البقرة/23) وقال أيضا (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) (هود/14) ولم يتحد القرآن بأقل من سورة، والسورة تطلق على القصيرة والطويلة ، لذا خرج الإتيان بمثلهاعن طوق الإنس والجن قاطبة، وقد أجمع أهل العلم قاطبة على أن أقل مايعجز عنه من القرآن السورة قصيرة كانت أو طويلة أو ماكان بقدرها، وكل سورة برأسها معجزة، ذلك أن كل سورة متلائمة المباني، منتظم أولها بآخرها، كسور المدينة في صحة الانتظام، وحسن الالتئام، والإحاطة بالمباني، التي هي كالمعاني، والتقاء الطرفين حتى صار بحيث لايدرى أوله من آخره، والتحدي بسورة يشمل أقصر سورة كالكوثر، والتسوير من خصائص الذكر الحكيم، وقد ذكر أهل العلم أن الحكمة في تسوير القرآن سورا تحقيق كون السورة بمجردها معجزة، وآية من آيات الله والإشارة إلى أن كل سورة نمط مستقل، كما أن تلك السور متخالفة المقادير فهي كأنواع من جواهر نفيسة متفاوتة الأحكام، كما أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عنده ماحفظه، وغير ذلك من فوائد تسوير القرآن التي ذكرها أهل العلم.
لغة العرب لغة مليئة بحروف المعاني، والحروف نوعان حروف معان، وهي الحروف التي تنوب عن المعنى ، مثل همزة الاستفهام هي تنوب عن معنى أستفهم، ويا حرف ينوب عن أنادي، وهكذا أما حروف المباني، فهي الحروف التي تكون الكلمة، فكلمة يوفي الحرفان (في) حرفا مبنى في تكوين الكلمة، أما (في) فحرف معنى في قولنا نحن في البيت، ولنقف عن اصطفاء حرف من حروف المعاني في الذكر الحكيم، وإعجاز بيانه، فلنأخذ حرف الجر (على) ونقف عنده لبيان جلال معناه، وحرف الجر (على) هو حرف استعلاء، بيد أنه كثير التصرف، واسع الحركة، يتيح للناظم والناثر بحقيقته ومجازه أن يعبر عن مقاصده المختلفة. قال تعالى (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق) (إبراهيم/39) قال المفسرون عل هنا بمعنى مع ، ولكن القرآن لم يقل مع الكبر لبيان أن كبر السن يؤدي إلى استعلاء تقدم السن على صاحبه فيكون ذا سلطان عليه، ذلك أن الكبر من شأنه أن يمنع بمقتضى العادة من الإنجاب وهو سبب في الظاهر قاهر متغلب، إلا أن الله ـ تعالى ـ شاء أن يخرق ماجرت به العادة، ويقهر ماخلق من أسباب إدلالا على عظيم قدرته وإطلاق يده فيما خلق، وتكريما لمن خرقت من أجله النواميس، وحطمت بسببه ظواهر العادات، مما جعل إبراهيم يلهج لسانه ثناء على الله وشكرا له، فالاستعلاء المجازي هو استعلاء قدرة الخالق على الكبر الذي هو مانع قاهر في مجرى العادة من حصول الولد، فلو قيل: مع الكبر لما أوحى بمعنى الاستعلاء على الأسباب وقهرها كما يوحي به حرف الاستعلاء. ومثله قوله ـ تعالى ـ (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (الإنسان/8) فقد مدحهم الله بكمال الإيثار في بذل ما بأيديهم من طعام هم في أمس الحاجة إليه، متعالين بذلك على هوى النفس قاهرين لشهوة البطن، في سبيل غاية أسمى، وهدف أنبل، وهو رضا الله ـ تعالى ـ ونيل ماعنده، فعلى هنا على أصلها من الاستعلاء المجازي، علوا على رغبات النفس وقهرا لشهواتها، وذلك لون من التتميم البديع الذي ينشر جوا من المبالغة في بذل ما يملكه الإنسان وتضن به نفسه ابتغاء مرضاة الله.
النص المعجز: قال تعالى: ﴿ وأنزلنا من السماء ماءً بقدر فأسكناه في الأرض﴾ [سورة المؤمنون:18].